للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولا: أما استدلالهم بأثر علي فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أنه أثر في إسناده ضعف فلا تقوم به الحجة (١).

الوجه الثاني: وعلى التسليم بصحته: فأين الدليل على أن عليا ¢ قصد ما ذكروه من كراهة دخول الحمام من أجل المَلَل، بل لعله قصد النهي عن دخوله لحفظ الصوم عن ما يخدشه برؤية العورات، كما جاء عن أبي العالية أنه سئل: أَدخُلُ الحمّام وأنا صائم؟ قال: «أتحبّ أن تنظر إلى عورة غيرك وأنت صائم؟ » , قال: قلت: لا (٢).

ثانيا: وأما قولهم: إن فِعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز فقط, وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز، فأجاب عنه الشيخ عبيد الله المباركفوري بقوله: "قلت: الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل من الكتاب أو السنة، ولم يقم دليل على كراهة الدخول في الماء أو التلفف بالثوب المبلول، بل ثبت خلافه فالقول بكراهته مردود على قائله" (٣).

ثالثا: وأما قولهم: إن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل ابن عمر - رضي الله عنهما -، محمول على حال مخصوصة، فيجاب عنه:

أن حملكم هذا لجواز الفعل على حال خوف الإفطار بحاجة إلى قرينة تدل على ذلك، ولا قرينة (٤).

رابعا: وأما قولهم: إن فيه إظهار المَلَل من العبادة والامتناع عن تحمل مشقتها، فيجاب عنه: أنه فعل يعين الصائم على التقوي على صومه، وقد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام.

ثم إن تركَ الحنفية العملَ بهذا القول المنقول عن أبي حنيفة يجعل القول بجواز الدخول في الماء، والتلفف بالثوب المبلول للصائم، -بلا كراهة- قولا قريبا من المتفق عليه بين الفقهاء.

قال العيني: "كراهة الاغتسال للصائم، رواية عن أبي حنيفة غير معتمد عليها، والمذهب المختار أنه لا يُكرَه" (٥). والله أعلم.


(١) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٥٣, نيل الأوطار ٤/ ٢٤٩، وعون المعبود ٦/ ٣٥٢.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ٣١٨ رقم ٩٤٤٧، في الصيام, في الرجل يدخل الحمام وهو صائم.
(٣) مرعاة المفاتيح ٦/ ٥٢٤.
(٤) ينظر: المصدر السابق.
(٥) عمدة القاري ١١/ ١١.

<<  <   >  >>