للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني: وقياسا على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات، كجَزاء الصَيْد (١) وغيره؛ فإنها لا تسقط بالعجز عنها (٢).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه تبقى الكفارة في ذمته إلى أن يجدها؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، ولأن كل ما وجب أداؤه في حال اليسر، لزِم في الذِمَّة إلى المَيسَرة على وجهه، وليس في حديث الأعرابي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: إنها ساقطة عنك لعسرتك، بل في الحديث أن الأعرابي لما أخبر عن حاجته أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - له الانتفاع بما أعطاه، وأما ما في ذمته من الكفارة فلم يتعرض لحكمه - صلى الله عليه وسلم -، فبقي ذلك كما وجب عليه (٣).

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث الأعرابي على إسقاط الكفارة، فيجاب عنه:

أنه ليس في الحديث إسقاط الكفارة عن الأعرابي، وإنما هذا رجل ازدحمت عليه جهة الحاجة وجهة الكفارة، فقُدِّم الأهم، وهو الاقتيات، وبقيت الكفارة في ذمته إلى حين القدرة حسب ما أوجبها عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - (٤).

ثانيا: وأما قولهم قياسا على زكاة الفطر إذا عدمها وقت الوجوب ثم وجدها فيما بعد؛ فإنها تسقط عنه، فيجاب عنه: أن بينهما فرقا, فصدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها؛ فتستقر في الذمة (٥). والله أعلم.


(١) جَزاء الصَيْد في الإحرام: أي ما يقوم مقامه وينوب عنه في الكفارة. وهو ما جعله العدلان قيمة للصيد في مَوضِع قَتْلِه، أو في أقرب مكان منه. ينظر: مشارق الأنوار ١/ ١٤٧، القاموس الفقهي ص ٦٢.
(٢) ينظر: الحاوي الكبير ٣/ ٤٣٣, المجموع ٦/ ٣٤٣، المغني ٣/ ١٤٤.
(٣) ينظر: التمهيد ٧/ ١٧٨، شرح البخاري لابن بطال ٤/ ٧٦.
(٤) ينظر: القبس لابن العربي ١/ ٥٠٠.
(٥) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٧١، ونيل الأوطار ٤/ ٢٥٦.

<<  <   >  >>