للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: وأما قولهم: إنه جامع ناسيا فيفطر كمن أكل أو شرب ناسيا، فيجاب عنه:

أن هذا القياس مبني على أن الأكل والشرب ناسيا مفسد للصيام، وهذا غير صحيح، كما مر معنا في مسألة: حكم من أكل أو شرب ناسيا (١).

ثالثا: وأما قولهم: إن القياس يقتضي الفساد في الكل؛ لفوات ركن الصوم في الكل، إلا أننا تركنا القياس بالخبر الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبقي الجماع على أصل القياس, فيجاب عنه:

أن الحديث وإن كان قد ورد في الأكل والشرب، لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل، وهو: أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيص، بقوله: «فإنما أطعمه الله وسقاه» فقطع إضافته عن العبد لوقوعه فيه من غير قصده واختياره، وهذا المعنى يوجد في الكل، والعلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه ويتعمم الحكم بعموم العلة (٢).

رابعا: وأما استدلالهم بحديث المجامع في يوم رمضان وأنه لم يستفصل هل هو متعمد أو ناسي، فيجاب عنه: أنه قد تبين حاله بقوله: «هلكتُ»، و «احترقتُ»؛ فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم (٣).

خامسا: وأما قياسهم الصيام على الحج، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أنه قد لا يُسلَّم لكم أن من جامع ناسيا يفسد حجّه (٤).

الثاني: وعلى التسليم بأن حج الناسي يفسد: فإنه لا يستقيم قياس الصيام على الحج؛ لأن النواهي في الحج نوعان: نوع استوى الحكم في عَمْده وسهوه كالحلق وقتل الصيد. ونوع فُرِّق بين عمده وسهوه كاللباس والطيب. فأُلحِق الجماع بالنوع الأول؛ لأنه إتلاف.

أما الصيام فإن النواهي فيه نوع واحد، وقد وقع التفريق فيه بين العمد والنسيان، وذلك في القيء، فوجب إلحاق الجماع به (٥).

قال ابن رشد: "وأما من أوجب القضاء والكفارة على المجامع ناسيا، فضعيف؛ فإن تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بَيِّنٌ في الشرع، والكفارة من أنواع العقوبات" (٦). والله أعلم.


(١) ينظر الترجيح في المسألة صفحة (٣٢٣).
(٢) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ٩٠.
(٣) ينظر: فتح الباري ٤/ ١٦٤، نيل الأوطار ٤/ ٢٥٤، إحكام الأحكام ٢/ ١٤.
(٤) ينظر: الحاوي الكبير ٣/ ٤٣١.
(٥) المصدر السابق.
(٦) بداية المجتهد ٢/ ٦٦.

<<  <   >  >>