للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: تردد قوله - صلى الله عليه وسلم -: «في أنها أيام أكل وشرب»، بين أن يحمل على الوجوب، أو على الندب" (١).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا يجوز صيام أيام التشريق مطلقا.

الدليل الأول: قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (٢).

وجه الاستدلال من الآية من وجهين:

الوجه الأول: أن الصحابة - رضي الله عنهم - فسروا الأيام الثلاثة بأن آخرها يوم عرفة لمن لم يجد الهدي.

فعن ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسيرها: «وهذا على المتمتع بالعمرة إذا لم يجد هديا، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، فإن كان يوم عرفةَ الثالثَ فقد تم صومه، وسبعة إذا رجع إلى أهله» (٣).

وعن علي - رضي الله عنه - في صيام الأيام الثلاثة قال: «قبل التروية بيوم، (ويوم الترْوية) (٤)، ويوم عرفة» (٥).

الوجه الثاني: أن الآية نفسها دلت على أن آخر الأيام الثلاثة التي أوجب الله صومهن في الحج على من لم يجد الهدي من المتمتعين هو يوم عرفة، وبيان ذلك:

أن الله جل ثناؤه أوجب صومهن في الحج بقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}، وإذا انقضى يوم عرفة، فقد انقضى الحج؛ لأن يوم النحر يوم إحلال من الإحرام، وقد أجمع الجميع أنه غير جائز له صوم يوم النحر: إما لأنه ليس من أيام الحج؛ فأيام التشريق بعده أحرى أن لا تكون


(١) بداية المجتهد ٢/ ٧٢.
(٢) سورة البقرة: الآية: ١٩٦.
(٣) رواه ابن جرير الطبري ٢/ ٢٤٨، ورواه البيهقي بمعناه في السنن الكبرى ٥/ ٣٧، برقم ٨٩٠٤، في جماع أبواب الاختيار في إفراد الحج، باب الإعواز من هدي المتعة ووقت الصوم.
(٤) يوم التَرْوِيَة: هو ثامن ذي الحجة؛ لأنهم كانوا يَرْتَوون فيه من الماء لما بعد. تاج العروس ٣٨/ ١٩٤.
(٥) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٣/ ٣٨٣، رقم ١٥١٤٩ في الحج، باب: في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}، والبيهقي في السنن الكبرى ٥/ ٣٧، رقم ٨٩٠١، في جماع أبواب الاختيار في إفراد الحج، باب الإعواز من هدي المتعة ووقت الصوم، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم ١/ ٣٤٢.

<<  <   >  >>