للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن ظاهر الحديث يفيد نفي صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الأيام، فيكون الصوم فيها غير مشروع.

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يستحب صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة؛ لصحة ما استدلوا به, ولحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على العمل الصالح في هذه الأيام، ومن ذلك الصيام، ولثبوت صيامه - صلى الله عليه وسلم - فيها.

وأما استدلال أصحاب القول الثاني بحديث عائشة - رضي الله عنها - فقد أجاب أهل العلم عنه بأجوبة منها:

قال النووي: "هو متأول على أنها لم تره، ولا يلزم منه تركه في نفس الأمر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام, والباقي عند باقي أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - , أو لعله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم بعضه في بعض الأوقات وكله في بعضها, ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما, وبهذا يُجمَع بين الأحاديث" (١).

وقال الشوكاني: "المراد: أنه لم يَصُمْها لعارض مرض، أو سفر، أو غيرهما. أو أن عدم رؤيتها له صائما لا يستلزم العدم. على أنه قد ثبت من قوله ما يدل على مشروعية صومها، كما في حديث الباب، فلا يَقْدَح في ذلك عدم الفعل" (٢).

وقال الطِّيبي (٣): "قولها: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما في العشر قط» لا ينفي كونها سُنَّة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ربما صامها ولم تعرف عائشة، وإذا تعارض النفي والإثبات، فالإثبات أولى بالقبول" (٤).

وعلى التسليم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ترك صيام هذه العشر، فإنه لا يفيد أبدا عدم المشروعية؛ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - إن قال شيئا ولم يفعله فقد ثبت فضلُ ذلك الشيء بقوله (٥).


(١) المجموع ٦/ ٣٨٧ - ٣٨٨.
(٢) نيل الأوطار ٤/ ٢٨٤, وينظر: شرح مسلم للنووي ٨/ ٧١ - ٧٢.
(٣) هو: الحسين بن محمد بن عبد الله، شرف الدين، الطِّيبي, من علماء الحديث والتفسير والبيان, وكان شديد الرد على المبتدعة والفلاسفة, توفي سنة ٧٤٣ هـ, من تصانيفه: التبيان في المعاني والبيان، والخلاصة في أصول الحديث، وشرح مشكاة المصابيح، والكاشف عن حقائق السنن النبوية. ينظر: البدر الطالع ١/ ٢٢٩، والدرر الكامنة ٢/ ١٨٥، والأعلام ٢/ ٢٥٦.
(٤) شرح المشكاة ٥/ ١٦٠٧.
(٥) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير ١٠/ ٢٥٣.

<<  <   >  >>