الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

المبحث الثالث: في ليلة القدر - المطلب الأول: في تعيين ليلة القدر. - ص: 608

وجه الاستدلال: جاء في هذا الحديث أن ليلة القدر في كل رمضان، وهو دليل على أنها قد تكون في أوله, وفي وسطه, كما قد تكون في آخره (١).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنها ليلة الحادي والعشرين من رمضان.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، في قُبَّة تُرْكِيَّةٍ (٢) على سُدَّتِهَا حَصِيرٌ (٣)، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: «إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف» فاعتكف الناس معه، قال: «وإني أريتها ليلة وتر، وإني أسجد صبيحتها في طين وماء» فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فَوَكَفَ المسجد (٤)، فأبصرتُ الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه ورَوْثَةُ أَنْفِهِ (٥) فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر (٦).

وجه الاستدلال: هذا الحديث صريح في أن ليلة القدر كانت ليلة الحادي والعشرين من رمضان.

أدلة القول الثالث: القائلين بأنها ليلة الثالث والعشرين من رمضان.

الدليل الأول: عن عبد الله بن أُنَيْس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أُريتُ ليلة القدر، ثم أُنْسيتُها، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين» , قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا

---

(١) ينظر: شرح معاني الآثار ٣/ ٨٤.
(٢) قُبَّة تُرْكِيَّة: أي منسوبة إلى الترك وهم الجيل المعروف، وهي قبة صغيرة من لُبُود. واللبود: شعر أَو صوف متلبِّد. ينظر: شرح مسلم للنووي ٨/ ٦٢، وفتح الباري ١/ ٩٢، ومجمع بحار الأنوار ١/ ٢٦١.
(٣) على سُدَّتِهَا حَصِيرٌ: أي على بابها حَصِير: وهو البِساط المنسوج من أوراق البردي أو البارئ أو نحوهما. ينظر: مشارق الأنوار ٢/ ٢١١، والمعجم الوسيط ١/ ١٧٩، وتاج العروس ١١/ ٣١.
(٤) وَكَفَ المسجد: أي: سال ووقع منه ماء المطر. ينظر: كتاب الأفعال ٣/ ٢٨٩، والنهاية ٥/ ٢٢١، وإكمال المعلم ٤/ ١٤٨.
(٥) روثة الأنف: طرفه، ومقدمه، وأرنبته. ينظر الصحاح ١/ ٢٨٤، ومجمل اللغة لابن فارس ١/ ٤٠٤، ولسان العرب ٢/ ١٥٧.
(٦) رواه مسلم ٢/ ٨٢٥ رقم ١١٦٧, في الصيام, باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها ...