للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الرابع: ولأنه لا مانع من إقامة الجمعة في سائر المساجد، فكذا لا مانع من الاعتكاف في سائر المساجد.

قال الجصاص: "وكما لا تُمنع صلاة الجمعة في سائر المساجد، كذلك لا يمتنع الاعتكاف فيها. فكيف صار الاعتكاف مخصوصا بمساجد الجُمُعات دون مساجد الجَماعات؟ ! " (١).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثالث: أنه لا يشترط لصحة الاعتكاف المسجد الجامع وإن تخلل اعتكافه يوم جمعة, وعليه الخروج لشهود صلاة الجمعة؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولعدم وجود نص صريح يشترط المسجد الجامع لصحة الاعتكاف، ولأن خروج المعتكف إلى الجمعة ضرورة من الضرورات لا يبطل بها الاعتكاف.

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما قولهم: إن الآية أشارت إلى جنس معين من المساجد وهو ما يجمع فيه، فيجاب عنه:

أنها دعوا بلا بينة، بل إن (ال) في المساجد للعموم، وتخصيص مساجد الجُمَع دون غيرها لا دليل عليه، ولقائل أن يقول: بل إن الآية أشارت إلى جنس من المساجد وهو ما بناه نبي! (٢).

ثانيا: وأما قولهم: وقد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله فلم يعتكف إلا في مسجده وهو مسجد جامع, فيجاب عنه:

وأيضا لم يعتكف إلا صائما، ولا يشترط الصيام على الراجح، ولم يعتكف إلا في رمضان وشوال، والاعتكاف جائز في السنة كلها، فمجرد الفعل لا يستلزم الشرطية (٣).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث عائشة والذي فيه: «ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» , فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن المقصود المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة، والدليل الرواية الثانية وفيها: «ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة» (٤).


(١) أحكام القرآن ١/ ٣٠٢ - ٣٠٣.
(٢) ينظر: الاستذكار ٣/ ٣٨٥.
(٣) ينظر: المحلى ٣/ ٤١٣.
(٤) سبق تخريجه صفحة (٦٢٧).

<<  <   >  >>