وأَحياناً كان يَحْتجُّ بأَنَّ جبريلَ تَأْخَّرَ بسببِ وُجودِ الكلاب! ".
إِنَّ هذا الفادي المفترِي، مثله مثل باقي الكفار، لا يعجبُه شيء في ما
يتعلَّقُ بالقرآن، لأَنَّ القرآنَ عندَه مُتَّهَم دائماً، ومُخْطِئ دائماً.
فلو أَنَّ اللهَ أَنزله دفعةً واحدةً لاعترضَ عليه هذا الفادي، وقال: إِنَّ محمداً أَخَذَهُ من التوراة، وادَّعى أَنَّ اللهَ أَنزلَه عليه دفعةً واحدةً مثل التوراة!.
وبما أَنَّ اللهَ أَنزلَه عليه منجَّماً مفرَّقاً، فقد اعترضَ الفادي على ذلك، وقالَ - كما قالَ كفارُ قريش -:
لماذا لم يُنزلْه عليه دفعةً واحدةً مثلَ التوراةِ والإِنجيل؟!
وهذا الاعتراضُ المستمِرُّ منه على القرآنِ دليلُ انحرافِ فكرِه، وسَوادِ قلبِه، واتِّباعِه لهواه، ورفضِه الاستجابة لمنطقِ الحق.
ونصَّ القرآنُ على حكمةِ إِنزالِه منجَّماً مفرَّقاً، وذَكَرَ المفسِّرون ومؤَلّفو
الكتبِ في علومِ القرآنِ الحِكَمَ العديدةَ من هذا التفريقِ في إِنزاله.
فاللهُ يقول: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦) .
الحكمةُ هي أَنْ يقرَأَهُ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - على الناس، وأَنْ يُعَلِّمَهم إِياه، ويُربيهم به، وهم أُمّيّون لا يُحسنونَ الكتابةَ والقراءة، فكان من الحكمةِ إِنزالُه مفرقاً، ليُحْسِنوا التعاملَ والتفاعلَ معه، وتنفيذَ أَحكامِه، وتربيةَ نفوسِهم به..
ومعلوم أَنه لا بُدَّ في التربيةِ والمجاهدةِ من المكثِ والتَّأَنّي والتمهُّلِ والتدرُّج، وهذا يتطلَّبُ التفريقَ والتنجيم.
واللهُ تعالى يقولُ: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢) .
الحكمةُ التي ذَكَرَتْها الآيةُ هي تَثبيتُ فُؤادِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بمواساتِه على ما يَجِدُ من حَرْبِ وتَكْذيبٍ وعِداء، ففي كُلِّ موقفٍ من مواقفِ مواجهتِه للكفار، يُنزلُ اللهُ عليَه آياتٍ جديدة، يُحَدِّثُه فيها عن ما جَرى لنبي قَبْلَه، أَو يُفَرِّحُه بأَنه معه، ويَدْعوهُ إِلى الصبرِ والثبات.