ولم أر الفقهاء يعيبون عليه في ذلك، ولأن في ذلك تضييقًا على الناس. انتهى كلامه.
وذكر في "شرح مسلم" قبل كتاب الزكاة بنحو ثلاثة أوراق نحوه أيضًا، وجزم به أيضًا في "الفتاوى"، وهو اختلاف عجيب جدًا ولا يمكن حمل الكراهة على التحريم لأنه مع كونه خلاف اصطلاحهم يؤدي إلى تحريم التجصيص والكتابة والبناء في غير المسبلة، ولا قائل به فتعين كونه مكروهًا كراهة تنزيه، ومع ذلك يهدم، ونظير ما قاله في "الروضة" في آخر شروط الصلاة: إن غرس الشجرة في المسجد مكروه، قال: فإن غرست قطعت.
وما اقتضاه كلام النووي من نقل الاتفاق على تحريمه فمردود، فقد صرح جماعة بالكراهة، ونقل ابن الرفعة أن البندنيجي نقله عن الأصحاب.
ثم قال: وكلام غيره يقتضي أنه لا يجوز لأنهم عللوا المنع بأن فيه تضييقًا على الناس، وقالوا: لو بنى عليه هدم.
الأمر الثاني: أن المراد بالمقبرة المسبلة هو المقبرة التي جرت عادة أهل تلك البلد بالدفن فيها، وليس المراد المقبرة الموقوفة، فإن الموقوفة يحرم البناء فيها قطعًا، وقد جزم الرافعي فيه بالكراهة كما تقدم، وتبعه عليه في "الروضة" فدل على ما قلناه، وهذا هو مقتضى كلام ابن الرفعة المتقدم.
وإنما يهدم البناء فيها على القول بكراهته أيضًا لأن الموت معلوم عمومه، فيؤدي البناء إلى التضييق أو إلى البعد في الدفن، فيحصل بسببه تغير في الميت، ومشقة على الناس.