للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

, وزعم الشافعي: أنه أريد به الصلاة (١). وليس له في ذلك متقدم (٢)، ولما كان ستر العورة من فرض البدن فيجوز للرجل أن يصلي في ثوب واحد؛ لأنه يستر ما أمره الله بستره. والمرأة في درع (٣) سابغ وخمار (٤) , وهو أقل ما أمرها الله بستره من بدنها. والأمة في ثوب وخمار (٥) , ولم يكن هذا من فرض الصلاة , وإنما هو من فرض الأبدان، ووافق الصلاة (٦)؛


(١) الأم: ١/ ٨٨.
(٢) سبق ما ذكر عن مجاهد، والكلبي. وقد وافق الشافعي في هذا جمهور العلماء، قال ابن عبد البر: وأجمع العلماء على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي عرياناً وهو قادر على ما يستر به عورته من الثياب، وإن لم يستر عورته وكان قادراً على سترها لم تجزئه صلاته.
واختلفوا هل سترها من فروض الصلاة أم لا، فقال أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء: إنه من فروض الصلاة.
[الاستذكار: ٥/ ٤٣٧، وانظر: أحكام القرآن للحصاص: ٣/ ٤٩، المغني: ٢/ ٢٨٣، تفسير القرطبي: ٧/ ١٩٠، المجموع: ٣/ ١٧٢].
(٣) درع المرأة: قميصها، وهو: ثوب تَجُوب المرأَة وسطَه، وتجعل له يدين وتخيط فرجيه.
[النهاية: ٢/ ١١٤، لسان العرب: ٨/ ٨٢].
(٤) الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها. [لسان العرب: ٤/ ٢٥٧].
(٥) هذا على الآستحباب: أن تصلي الأمة بثوب وخمار، والجمهور على جواز صلاتها مكشوفة الرأس.
[المدونة: ١/ ١٨٥، المبسوط: ١/ ٢١٢، المغني: ٢/ ٣٣١، المجموع: ٣/ ١٨٩].
(٦) ما ذكره المؤلف هو أحد قولي أصحاب مالك: من أن ستر العورة من سنن الصلاة، وليس من فرائضها، وهذا ما ذهب إليه القاضي إسماعيل بن إسحاق، وابن بكير. وذكر ابن العربي، وابن رشد أن هذا هو مشهور مذهب مالك.
ومن أصحاب مالك من ذهب إلى أن ستر العورة المغلظة من واجبات الصلاة، وشرط فيها مع العلم والقدرة، قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف: اختلف أصحابنا في ستر العورة في الصلاة، فمنهم من يقول: إنها من شرط صحتها مع الذكر والقدرة، فإن لم يقدر عليها صلى عرياناً وأجزأته، وكذلك إن نسي، وإن صلى مكشوف العورة عالماً بأن له ما يسترها قادراً على ذلك فإن صلاته باطلة. ومنهم من يقول: إنها واجبة مفترضة وليست من شرط صحة الصلاة، فإن صلى مكشوف العورة عالماً عامداً كان عاصياً آثماً إلا أن الفرض قد سقط عنه.
وممن رجح فرضية سترها في الصلاة وأنها شرط من شروط صحتها من المالكية: ابن العربي، وابن عبد البر، والقرطبي.
قلت: ولعل هذا هو مذهب مالك ففي الموطأ: ١/ ٣٨٢ كتاب النذور والأيمان، قال مالك: أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة: أنه إن كسا الرجال كساهم ثوباً ثوباً، وإن كسا النساء كساهن ثوبين ثوبين درعاً وخماراً، وذلك أدنى ما يجزئ كُلاً في صلاته. فقوله: (يجزئ) يدل على اشتراطه ستر العورة في الصلاة. وقد ألمح إلى ذلك القاضي عبد الوهاب في: عيون المجالس: ١/ ٣٠٨ - وإن كان في نسبة هذا الكتاب إلى القاضي عبد الوهاب كلام -. [الإشراف: ١/ ٢٥٩، الاستذكار: ٥/ ٤٣٨، المنتقى: ١/ ٢٤٧، أحكام القرآن لابن العربي: ٢/ ٣٠٦، بداية المجتهد: ١/ ١٤٥، تفسير القرطبي: ٧/ ١٩٠، مواهب الجليل: ١/ ٤٩٧].

<<  <   >  >>