للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت قريش أدارت بينها رأيا (١) يكيدون به العرب، فابتدعوا بينهم أن قالوا: أنتم ولاة هذا البيت وأهله دون الناس، فلا تعظموا سواه، فكانوا يقفون بالمزدلفة، وتركوا الموقف بعرفة؛ لأنه من الحِل (٢)، وكانت عرفة من عهد إبراهيم وشعائره، وكانت العرب غير الحمس تقف بعرفة، فأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يفيض من حيث أفاض الناس، فرجع الأمر إلى عرفة.

وقوله جل وعز: {وَلَا جِدَالَ} (٣) إنما هو لا جدال في الوقوف بعرفة، وأن الحج في ذي الحجة، فقد ارتفع الجدال في ذلك، وقيل لقريش: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (٤) فألزموا ذلك، وأزيل النسيء الذين كانوا يحجون في المحرم سنتين، وفي صفر سنتين، وفي كل شهر سنتين (٥).


(١) لوحة رقم [٢/ ١٦٥].
(٢) يشهد لما ذكر المؤلف قول ابن إسحاق في السيرة ص ٨٠: " وكانت قريش ... ابتدعت رأي الحمس، رأياً رأوه وأداروه بينهم، فقالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت وقاطنوا مكة وسكانها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب حرمتكم ... " وفي معناه ما ذكره الطبري في تفسيره (٢/ ٣٠٥) والأزرقي في أخبار مكة (١/ ١٧٦).
(٣) سورة البقرة (١٩٧).
(٤) سورة البقرة (١٩٩).
(٥) يوضح قول المؤلف هنا ما أخرجه ابن جرير في جامع البيان (٦/ ٣٧٠) عن مجاهد رحمه الله قال: فرض الله الحج في ذي الحجة، قال: وكان المشركون يسمون الأشهر ذو الحجة والمحرم وصفر وربيع وربيع وجمادى وجمادى ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة، وذو الحجة يحجون فيه مرة ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر، ثم يسمون رجب جمادى الآخرة، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون رمضان شوالا، ثم يسمون ذا القعدة شوالا، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه واسمه عندهم ذو الحجة، ثم عادوا بمثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عامين "

<<  <   >  >>