للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وزعم الشافعي؛ أن للإنسان أن يؤخر حجة الإسلام المفروضة عليه، وهو ممن يستطيع الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحج بعد فتح مكة عامين (١)، فتكلم بكلام من لا يعرف لله ـ تبارك وتعالى ـ ولا لرسوله حقهما، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدا مأمورا يفعل ما أمره به ربه ـ عز وجل ـ ولا يتقدم بين يدي الله ـ تبارك وتعالى ـ بشيء، فلم يأمره الله تعالى بالحج؛ حتى قطع ما أراد قطعه من عهود المشركين، وأُمر بالبراءة منهم، وأن ينادى بذلك سنة تسع؛ لكي لا يقف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كافر، ودار الحج إلى الشهر الذي جعل الله فيه الحج، وحج فيه أبوه إبراهيم عليهما السلام، وهو ذو الحجة، فكان هذا أمر أراده الله ـ تبارك وتعالى ـ بنبيه - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون باقيا بعده مادام الإسلام، لا يُغيّر ولا يُبدّل، وهذا ما يعلمه كل من له لبٌ؛ أن التأخير كان لهذه الأشياء، فإن كان الذي رخص له الشافعي في تأخير الحج المفترض عليه وهو مطيق له، يتوقع من الله أمرا يمتثله قيس أمره عليه، وإلا فكيف يجترئ من له تقوى أن يُسهل للناس مثل هذا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ? مطل الغني ظلم? (٢) وقال: ? إن ملك الزاد والراحلة واستطاع الحج، ولم يحج


(١) ينظر: كتاب الأم (٢/ ١٢٩).
وقد وافق الشافعي مالكيةُ المغرب، وذهب أبو حنيفة ومالك ـ على الصحيح من قولهما ـ وأحمد، أنه على الفور، وهو قول مالكية العراق ـ على ما بين المؤلف، رحم الله الجميع.
ينظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٠٧) وأحكام القرآن لابن العربي (١/ ٣٧٦) والمغني (٣/ ٣٤١) وشرح فتح القدير (٤/ ٢٦٨) والمجموع (٥/ ٣٥٧) والفواكه الدواني (١/ ٣٥٠).
(٢) أخرجه البخاري [٤٧٤ كتاب الاستقراض، باب مطل الغني ظلم] ومسلم [٣/ ٩٦٩ كتاب المساقات] من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>