للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (١) وقال سبحانه: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (٢) وقال تبارك اسمه: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (٣) وقال عز وجل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} (٤) و {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (٥) وقال تبارك وتعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (٦).

قال القاضي: فأمر الله ـ عز وجل ـ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بهذا وأمثاله في تلك السنين، فأسلم فيها رجال ونساء لهم ثروة ومنعة، فقالوا: يا رسول الله لو أذن الله ـ تبارك وتعالى ـ لنا انتصرنا من هؤلاء المشركين؛ فأنزل الله عز وجل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (٧) ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر، يقول: واصبر أنت يا محمد فلا تكن ممن ينتصر، ثم قال له: {وَدَعْ صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} (٨) فأمره بالعفو والمغفرة قبل الانتصار، وقال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (٩) ثم قال سبحانه: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (١٠) ثم قال ـ عز من قائل ـ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (١١) وقال ـ عز وجل ـ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (١٢) فلما قدم رسوله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أذن له في قتال المشركين وجهادهم والغلظة عليهم.

وهذه السورة كلها مكية، وقد يجوز أن تكون هذه الآية وحدها نزلت في حمزة ـ رحمه الله ـ وسائر قتلى أحد ـ رحمهم الله ـ ويجوز أن تكون على ما ذكر زيد بن أسلم، إذ كانت مكية، ويكون الله ـ تبارك وتعالى ـ أذكر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - في قصة أحد، ولولا أن الإسناد فيه ما هو معلوم؛ لكانت رواية أبي هريرة أولى، ولكن كل ما خاطب الله ـ تبارك وتعالى ـ به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من هذه الآيات فمكي، فقد قال له بمكة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (١٣) في آي كثير من هذا الجنس لم يذكرها زيد.

والأقوى في هذا عندي: أن الله ـ عز وجل ـ لا يأمر في المشركين ألا يعاقب بمثل ما عوقب به، ويأمر بالصبر عنهم، وقد أمره بقتالهم وقتلهم حيثما وجدوا والغلظة عليهم، ومهما كان من ذلك فليس نصا فيما يحتاج المسلمون إليه من أحكامهم؛ من القصاص، والديات، والعفو لمن أراده ورغب في ثوابه، والله أعلم.


(١) سورة الحجر (٩٤).
(٢) سورة الأعراف (١٩٩).
(٣) سورة النجم (٢٩).
(٤) سورة الذاريات (٥٤).
(٥) سورة الزخرف (٨٩).
قرأ نافع وابن عامر قوله تعالى: (تعلمون) بتاء الخطاب، وبها رسمت في الأصل على ما أُثبت هنا، وقرأ الباقون بياء الغيبة. ينظر: التيسير للداني ص (١٩٧).
(٦) سورة المزمل (١٠).
وهذا الأثر عن زيد بن أسلم قد أخرجه الطبري في تفسيره (٧/ ٦٦٥) نحوه، مختصرا.
(٧) سورة النحل (١٢٦).
(٨) سورة النحل (١٢٧).
(٩) سورة الشورى (٣٩ ـ ٤٠).
(١٠) سورة الشورى (٤٠).
(١١) سورة الشورى (٤١ ـ ٤٢).
(١٢) سورة الشورى (٤٣).
(١٣) سورة الأنفال (٣٠).

<<  <   >  >>