للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال بكر: فصار هذان الخبران ناسخين للجلد في الثيب، وبقي الرجم على ما أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ إذ القتل يأتي على كل شيء.

ولا اختلاف بين علماء الأمصار، أن من شرب خمرا وزنى وهو محصن فالحدان عندهم جميعا لله جل جلاله، فيسقط جلد الشرب ويأتي الرجم على ذلك كله، فلما كان ذلك كذلك، وكانت الحدود إذا اجتمعت لله ـ تبارك وتعالى ـ ليس لآدمي فيها حق، مثل: القذف وما أشبهه، دخل بعضها في بعض، وأتى القتل على جميعها، كان ذلك سبب إسقاط الجلد عن الثيب، فنسخت سنَتُه سنَتَه.

ولا أعلم في سقوط الجلد بين فقهاء الأمصار خلافا (١)، وإنما تكلمت في ذلك على متأخر تعلق بحديث عبادة، متبعا للشواذ من الأخبار، ومتعلقا بالمنسوخ لِيُعْرَفَ، ومع ذلك فحديث عبادة في بدء الهجرة بعد ثلاث منها، وحديث أبي هريرة وصاحبيه بعد ذلك؛ لأن إسلام أبي هريرة في أول سنة سبع من الهجرة، بعد فتح خيبر وفي وقتها، وكذلك صاحباه إسلامهما متأخر، وعبادة من النقباء الاثني عشر ليلة العقبة (٢)،


(١) قوله: ولا أعلم في سقوط ... ، أراد ـ رحمه الله ـ أن العمل في الأمصار على ما قرر، إذ الخلاف في المسألة قديم ومشهور، فهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي بن كعب، وأبو ذر، والحسن، وداود الظاهري، وابن المنذر، وهو الرواية الثانية في مذهب الإمام أحمد.
ينظر: المغني (٨/ ١٦٠) وقد أشار إلى هذا الخلاف ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (١/ ٤٦٤) والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٩٢).
(٢) ليلة العقبة هي: الليلة التي واعد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أسلم من أهل المدينة من الأوس والخزرج، وكان ذلك في الحج أيام التشريق، فلما لقيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعهم سألهم أن يختاروا من بينهم اثني عشر نقيبا، ليكونوا على قومه بما عاهدوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ينظر: سيرة ابن هشام (٢/ ٦٤).

<<  <   >  >>