للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا مشاربه إلى حد الزنا؛ لأنه شيء بعينه؛ ولأن المرأة إنما رميت بالزنا، وحلف عليه الزوج، فما كان في ذلك من كذاب (١) فإنما هو العذاب المعروف بالألف واللام.

وقد تأول لهم متأول منهم: أن العذاب هو السجن، بقول الله تبارك وتعالى: {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٢) ولم يعرف ما احتج به؛ لأن العذاب الذي ذكر الله تبارك وتعالى غير السجن، وليس بمعين، وإنما قال: قالت: كذا أو كذا، ويمكن أن تكون المرأة أرادت جنسا من أجناس العذاب؛ لأنه يُكْره.

وأبو حنيفة وأصحابه يحكمون بالنكول (٣) في الحقوق بغير يمين من الطالب، وجعلوه بمنزلة الإقرار، والملاعن قد تقدمت أيمانه على ما أدعى، ثم لا يحكمون على المرأة بنكولها، وقد أُنْزل فيها من القرآن ما أنزل، وممن انتهى إلينا تفسيره ممن فسر هذه الآية قالوا: إذا لم تلاعن جلدت أو رجمت، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للملاعن: (عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) عند الجلد، وكذلك قوله للمرأة: (عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) (٤) إنما أرادوا الحد، ودخول الحبس فيما بين ذلك، لا أعرف له وجها، وقوله للمرأة: (عذاب الدنيا أيسر) أراد الحبس عندهم إن أقرت، ما هذا عذاب من أقر بالزنا.


(١) كذا في الأصل، وهو تحريف، وصوابه: عذاب.
(٢) سورة يوسف (٢٥).
أخرجه ابن أبي شيبة [٥/ ٥٠٧، كتاب الحدود، في الرجل يلاعن وتأبى المرأة] عن الحسن.
ينظر في حمل الأحناف العذاب على الحبس، ما ذكره الكاساني في بدائع الصنائع (٣/ ٢٣٨).
(٣) قال المناوي في التعاريف ص ٧١٠ " أصله: الحبس والمنع، ومنه النكول عن اليمين، وهو الامتناع عنها".
وفي قول الأحناف في مسألة النكول ينظر: المبسوط (١٧/ ٣٤).
(٤) تقدم تخريجه في أول المسألة ص ٤٣٩.

<<  <   >  >>