للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: عودا فيه تسعة وتسعون عودا والأصل تمام المائة فضرب به امرأته، وذلك أن امرأته أرادها الشيطان بعض الأمر، فقال لها: قولي لزوجك يقول: كذا وكذا، فقالت، فحلف حينئذ ليضربنها، فضربها تلك الضربة، فكانت تَحِلَّة ليمينه وتخفيفا لامرأته (١).

وقال عبيد بن عمير: حلف ليضربنها مئة سوط (٢).

وقال مجاهد: هي لأيوب خاصة رخصة (٣).

والذي يدل عليه القرآن أنه كان خاصا؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} فلما أسقط عنه الحنث، كان بمنزلة من جعلت عليه كفارة فأداها، أو بمنزلة من لم يحلف؛ لأن الشرائع التي تعبد الله ـ تبارك وتعالى ـ بها خلقه في وقت ويسقطها عنهم في وقت آخر، وكذلك الناسخ والمنسوخ، نَسَخَ عنا هذا (٤) قوله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} (٥) والذي يجلد الإنسان جلدة واحدة، فلم يجلد مئة جلدة، وإنما جلد جلدة واحدة، وكتاب الله الناسخ لسائر الكتب، والذي في أيدينا أولى أن يقتدى به (٦).


(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ١٦٧) والطبري في تفسيره (١٠/ ٥٩١).
(٢) لم أقف عليه.
(٣) أورده الجصاص في أحكام القرآن (٥/ ٢٥٨) والسيوطي في الدر المنثور (٧/ ١٩٥) وعزاه إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) أي نسخَ فعلَ أيوبَ - عليه السلام - ما جاء في حد الزاني من جلدة مائة جلدة.
(٥) سورة النور (٢).
(٦) قرر المؤلف أن الحكم في الآية خاص بمن نزل عليه، وهو مما نسخ في شريعتنا، تبعا لما ذهب إليه الإمام مالك في المدونة (٣/ ١٤٠)، وقد بين ابن العربي علة ذلك، يقول: " وإنما انفرد مالك في هذه المسألة عن قصة أيوب هذه لا عن شريعته، لتأويل بديع، وهو: أن مجرى الأيمان عند مالك في سبيل النية والقصد، أولى لقول رسول الله إنما الأعمال بالنيات، والنية أصل الشريعة، وعماد الأعمال، وعيار التكليف ". أحكام القرآن (٤/ ٧١).
وخالف الأحناف في ذلك فأجازوا مثل هذا الفعل، وقد تكلم الجصاص في أحكام القرآن (٥/ ٢٥٨) عن هذه المسألة وناقش قول المالكية، وأورد كلام القاضي إسماعيل صاحب أصل هذا المخطوط، ولم يصرح باسمه، قال: " وزعم بعض من يحتج لمذهب مالك بن أنس، أن ذلك لأيوب خاصة؛ لأنه قال: فاضرب به ولا تحنث، فلما أسقط عنه الحنث، كان بمنزلة من جعلت عليه الكفارة فأداها، أو بمنزلة من لم يحلف على شيء، وهذا حجاج ظاهر السقوط لا يحتج بمثله من يعقل ذلك؛ لتناقضه واستحالته ومخالفته لظاهر الكتاب، وذلك لأن الله تعالى أخبر أنه إذا فعل ذلك لم يحنث، واليمين تتضمن شيئين: حنثا أو برا، فإذا أخبر الله أنه لا يحنث، فقد أخبر بوجود البر، إذ ليس بينهما واسطة ".

<<  <   >  >>