للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال زيد بن أسلم: اللمم لمم أهل الجاهلية، ولا تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف (١).

وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: الزيارة من الإلمام، ألستم عربا! وهو أن يلم المرة (٢).

وسئل زيد بن ثابت عن اللمم فقال: حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن (٣).

وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي: هو ما دون الشرك (٤)،

وقال الشعبي: هو ما دون الزنا (٥).

وقال مجاهد: يلم بالذنب ثم ينزع عنه، قال: وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت ويقولون:

إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما (٦)

وقال مثل ذلك عروة وغيره (٧).

وقال الحسن: اللمة من الزنا ثم يتوب فذاك يتجاوز عنه (٨).

وقال زيد بن أسلم: الكبائر الشرك، والفواحش الزنا، تركوا ذلك حين دخلوا في الإسلام، فغفر لهم ما كان قبل الإسلام (٩).

وقد ذكرنا ما انتهى إلينا من تكلم في اللمم، وحكي لي عن بعض أهل العلم أنه قال: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واللمم (١٠)، وهو قول فاسد لأنه يبطل قوله: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} (١١) فإذا اجتنبوا اللمم فأي شيء يغفر لهم، واللمم عند العرب ألا يكون الإنسان مقيما على الشيء، يقال: ما فعل ذلك إلا لمما، وإلا لما، على الحين بعد الحين، ويقال: مُصِّرٌ، إذا كان الفعل له عادة، فإن تركه ونزع عنه كان تائبا، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (١٢) ثم ضمن لهم الثواب فقال: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (١٣) وقال بعقب اللمم: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} فذم المصر ومدح التائب.

قال أبو صالح: سئلت عن قول الله عز وجل {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} فقلت: هو الرجل يلم بالذنب أو الخطيئة ثم لا يعاود، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: لقد (١٤) أعانك عليها ملك كريم (١٥)، فجاء هذا التفسير على تعارف العرب وتلقاه ابن عباس بعربيته التي نزل بها القرآن، والعرب تقول: إنما زيارتك لمام، وإنما تفعل لماما، قال جرير:

بنفسي من تجنُّبُه عزيز ... علي ومن زيارته لمام (١٦)

وقال وَضَّاح اليمن (١٧):

فما نولِّتُ حتى تضرعتُ حولها ... وخبرتها ما رخص الله في اللمم (١٨)

فاللمم عندي ـ والله أعلم ـ التي تكون فيندم عليها ولا يعاودها المذنب، وهو أصح الوجوه في ذلك.


(١) أورده السمرقندي في تفسيره (٣/ ٣٤٥) وأشار إليه في الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ١٠٧).
قوله: ولا تجمعوا .. ، هكذا في الأصل، والظاهر أن ابن أسلم ـ رحمه الله ـ ساق الآية مثالا على لمم أهل الجاهلية، قال السمرقندي حاكيا قوله: " .. إنما اللمم لمم أهل الجاهلية، يقول الله تعالى في كتابه: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} " وإلى نحو هذا أشار القرطبي في الجامع، قال: " هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به ... قاله زيد بن أسلم وابنه، وهو كقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} ".
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في الإشراف ص ٣١٥، بمعناه
سياق ابن أبي الدنيا للأثر أكثر وضوحا، ونصه: " عن ابن أبي حسين أن ابن عباس، سئل عن اللمم؟ فقال: أولستم عربا! ومن زيارته لمام " واللمام من الزيارة ما كان متباعد الفترة قليل المدة، كما قال جرير:
بنفسي من تجنبه عزيز ... علي ومن زيارته لمام.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٥٢٦).
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٥٢٨) به.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٥٢٧) به
(٦) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٥٢٨) به.
(٧) لم أجده.
(٨) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٢٥٦) والطبري في تفسيره (١١/ ٥٢٧) به.
(٩) أخرجه الطبري في تفسيره (١١/ ٥٢٦) بنحوه.
(١٠) أشار إليه في الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ١٠٧) ولم يسم قائله.
(١١) سورة النجم (٣٢).
(١٢) سورة آل عمران (١٣٥).
(١٣) سورة آل عمران (١٣٦).
(١٤) لوحة رقم [٢/ ٢٥٨].
(١٥) أورده في معالم التنزيل (٤/ ٢٥٢) وفي الدر المنثور (٧/ ٦٥٧) وعزاه إلى عبد بن حميد.
(١٦) ديوان جرير ص ـ.
(١٧) هو: عبد الله بن إسماعيل بن عبد كُلال، كان من أهل صنعاء من الأنبار، لقب بوضاح اليمن لجماله، توفي سنة ١٩٢ هـ. ينظر: تاريخ دمشق (٢٧/ ٨٦).
(١٨) أورده في الصحاح مادة: نول.

<<  <   >  >>