للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا توجب التبدئة به؛ لأن قول القائل: لقيت زيدا وعَمْرا يوجب أن يكون لقيهما، وقد يجوز (١) أن يكون زيد قبل عمرو، وعمرو قبل زيد، وإذا قال: لقيت زيدا فعمرا، فذلك يوجب لقاء زيد قبل عمرو بغير تراخ، وإذا قال: لقيت زيدا ثم عمرا، فهذا يوجب عندهم التراخي، وأن يكون لقاؤه عمرا بعد زمان.

وقوله ـ أيضا ـ خطأ من وجه آخر؛ لأنه لما قيل: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} لم يخل بأن يعود بفعل أو نية، ولو كان المعنى في ذلك إنما هو ألا يطلقوا، لكان وجه الكلام: ثم لم يطلقوا، والقرآن يَجِلُّ عن أن يكون فيه لفظة غيرها أبلغ منها وأشفى.

وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ} إيجاب، ولم يطلقوا نفي، فلو كان معنى يعودون معنى لم يطلقوا، لكان الإيجاب هو النفي والنفي هو الإيجاب، وهذا محال، ولو كان إذا ظاهر ثم لم يطلق عائدا بأنه ممسك، لكان في حال الظهار ممسكا، لأنه لم يطلق وإنما ظاهر.

ويفسد أيضا قوله من وجه آخر؛ لأن قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} يوجب أن يحدث منهم شيء، والمظاهر لم يطلق في حال ظهاره، ولا قبل ذلك، فإذا تظاهر ثم لم يطلق بعد الظهار، فهو كما كان لم يحدث منه شيء، لا فعل ولا قول، فيستحيل معنى {ثُمَّ يَعُودُونَ} لأن العائد إنما يعود إلى شيء قد كان فارقه، والمظاهرلم يفارق زوجته في حال الظهار، ولا قبله ولا بعده، وإنما فارق المسيس، فهو يريد أن يعود إليه.

وقد احتج له أحمد بن عمر بن سُرَيْجٍ (٢)، بأن العود تركها زوجة، وأن الله تبارك وتعالى قال: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (٣) وبقوله


(١) لوحة رقم [٢/ ٢٦٤].
(٢) هو: أحمد بن عمر بن سريج أبو العباس، أحد أئمة الشافعية الكبار، ممن نشر المذهب وانتصر له، ربت مصنفاته عن أربعمائة، توفي سنة ٣٠٦ هـ ينظر: طبقات الشافعية للسبكي (٣/ ٢١) وطبقات الشافعية لابن قاضي (٢/ ٩٠).
(٣) سورة المائدة (٣٧).

<<  <   >  >>