للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دخل أصحاب أبي حنيفة فيما أنكروه على الشافعي، من إباحة الطلاق الثلاث في مقام واحد.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء} (١) فالأمر في كتاب الله للوقت، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو للوقت، وقد ذكرنا احتجاج الشافعي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر، ولا أحسب الشافعي يكون أعلم بذلك من المخاطبين به، وهما عمر وابن عمر، وقد قالا جميعا: من طلق ثلاثا فقد عصى ربه عز وجل (٢)، ولو كان للسنة الثلاث بطلت الفائدة في قوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} وقد قال المفسرون جميعا: هي الرجعة (٣)، وقد قال الله عز وجل: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٤) فعلم أن الذي طلق ثلاثا غير مخاطب بذلك.

فأما قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٥) يشبه قوله في البقرة: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (٦) فأمر هذا عند انقضاء العدة أن لا يراجعها مضارة لها؛ لأن الرجعة إنما هي له من قبل أن تنقضي عدتها، والآية التي في البقرة إنما كان الرجل يطلق، فإذا قاربت انقضاء العدة ارتجع من غير رغبة، ثم يطلق ليطول عليها عدتها ويعيدها، فنهوا عن ذلك (٧).


(١) تقدم تخريجه في أول كلام المؤلف عن هذه الآية.
(٢) تقدم في ص ٣٩٢ ذكر الآثار عنهما وعن غيرهما - رضي الله عنهم -.
(٣) ينظر: تفسير عبد الرزاق (٣/ ٢٩٨) والطبري في تفسيره (١٢/ ١٢٧) وابن أبي حاتم (١٠/ ٣٣٥٩) والدر المنثور (٨/ ١٨٩)، وقد حكى الإجماع على ذلك القرطبي (١٧/ ١٥٢)
(٤) سورة الطلاق (٢).
(٥) سورة الطلاق (٢).
(٦) سورة البقرة (٢٣١).
(٧) ينظر: تفسير عبد الرزاق (١/ ٩٤) وتفسير الطبري (٢/ ٤٩٣).

<<  <   >  >>