للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُحل له، ولم يجعل الله تحريمه من الباب الذي تحرم به الحرة؛ لأن الحرة تحرم بالتحريم (١)، قال الله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (٢) وما لا يحل فهو الحرام، والأمة لا تحرم إلا بالعتق (٣)، فلما نهى الله ـ تبارك وتعالى ـ عن تحريم ما أحل الله، وسمى المحرم معتديا، رد عداه على نفسه، ولم يحرم ما أحل الله، إلا أن يكون إنسانا علم بُغية النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحريم (٤)، إذ في التعريض مندوحة، فيقول في الأمة: هي علي حرام يرضي زوجته، وهو يعلم أنها لا تحرم، ألا ترى أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قالتا: كيف تحرم وهي أمة (٥).


(١) أصل هذه المسألة: أن المالكية قرروا أن تحريم المرء لشيء ما، لا عبرة به ولا يعد شيئا، واستثنوا من ذلك تحريمَ الرجلِ امرأته، فأوجبوا به الطلاق، وجعلوا ذلك حكما خاصا بالزوجة يخالف الأصل، لِمَا أنزله تعالى من أحكام خاصة في الطلاق والظهار، والأمة لَمّا لم تكن زوجة لم يشملها هذا الحكم، بل هي ترجع إلى الأصل، فلا يعد تحريمها شيئا، قال في المدونة (٣/ ١٠٦): " أرأيت إن قال: الحِلُّ علي حرام إن فعلت كذا وكذا، أترى هذا يمينا؟ قال: لا يكون في الحرام يمين، قال لي مالك: لا يكون في الحرام يمين في شيء من الأشياء، لا في طعام، ولا في شراب، ولا في أم ولد إن حرمها على نفسه، ولا خادمه، ولا عبده، ولا فرسه، ولا في شيء من الأشياء، إلا أن يحرم امرأته، فيلزمه الطلاق، وإنما ذلك في امرأته وحدها " ينظر ـ أيضا ـ: أحكام القرآن لابن العربي (٤/ ٢٩٥).
(٢) سورة البقرة (٢٣٠).
(٣) وكذلك إذا زوجها، فإنها تحرم عليه، فلا يحل له وطؤوها ولا الاستمتاع بها.
(٤) أي علم نية ومقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حرم أمته، على ما ورد في سبب نزول الآيات.
(٥) تقدم نحو ذلك فيما رواه ابن عباس - رضي الله عنه - ص ٤٤١، وقد أخرج الطبري في تفسيره (١٢/ ١٤٨) عن ابن زيد ـ وفيه ـ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اسكتي لا تذكري هذا لأحد، هي علي حرام إن قربتها بعد هذا أبدا، فقالت: يا رسول الله وكيف تحرم عليك ما أحل الله لك، حين تقول: هي علي حرام أبدا؟ فقال: والله لا آتيها أبدا.

<<  <   >  >>