للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد زعم قوم أن التحريم يمين (١)، وأن من حرم امرأته فعليه كفارة، تشبيها عندهم بالأمة، فسلكوا مسلكا وعرا، ووضعوا الأمر في غير موضعه، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} (٢) يريد ما حل لكم من النساء، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} (٣) ثم جعل الله تبارك وتعالى للرجل يريد أن يحرم امرأته فقال ـ عز من قائل ـ: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} (٤) وقال سبحانه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٥) فالتحليل عقد النكاح، والتحريم الخلع والمبارأة (٦)، وغير ذلك مما قد أُجْمِع على أنه يحرم ما استحله بالعقد، فجعلت هذه الأشياء أسماء للتحريم، والتحريم هو القصد بالأسماء وما ينضاف إليها، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت علي حرام فقد أتى بأقصى الأشياء وهو ما الأسماء تقتضيه، ألا ترى الله ـ عز وجل ـ قال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني الثالثة: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٧) وما لا يحل فهو (٨) المحرم، فإذا قال: أنت علي حرام، فقد جعلها التي لا تحل له، فكيف يجوز أن ينقل ما جعله الله لا يحل إلا بعد زوج، إلى التحليل بإطعام عشرة مساكين، هذا ما يستحيل في العقل (٩).

قال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت: الحرام ثلاث (١٠)، وقاله السبعة ـ فقهاء المدينة ـ وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس - رضي الله عنه - (١١).

قال الله تبارك وتعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (١٢).

روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها فقيل: ? نقي أنفسنا، فكيف بأهلينا؟ فقال: تأمرونهن بطاعة الله وتنهونهن عن معاصي الله? (١٣).


(١) هو قول عمر بن الخطاب، وعائشة، وابن عباس، وسعيد بن المسيب - رضي الله عنه -، وقال ابن مسعود والحسن: هي يمين إلا إن نوى طلاقا، أخرجه عنهم عبد الرزاق [٦/ ٣٩٩ كتاب الطلاق، باب الحرام] وابن أبي شيبة [٤/ ٩٦ كتاب الطلاق، من قال: الحرام يمين وليست بطلاق] والبيهقي [٧/ ٣٥٠ كتاب الطلاق والخلع، باب من قال لامرأته: أنت علي حرام].
وهو قول الأحناف والحنابلة ـ في رواية ـ ينظر: مختصر اختلاف العلماء (٢/ ٤١٣) وأحكام القرآن للجصاص (٥/ ٣٦٢) والاستذكار (٦/ ١٩) وبداية المجتهد (١/ ٣١٠) والإنصاف (٨/ ٤٨٦).
(٢) سورة النساء (٣).
(٣) سورة الأحزاب (٥٠).
(٤) سورة النساء (٢٠).
(٥) سورة الطلاق (١).
(٦) الخلع: تقدم تعريفه ص ٣٩٩.
المبارأة: قال في القاموس مادة: برأ: " بارأ: المرأة صالحها على الفراق"، قال الجرجاني في التعريفات: "المبارأة بالهمزة وتركها خطأ، وهي أن يقول لامرأته: برئت من نكاحك بكذا، وتقبله هي" وفي المدونة (٤/ ٢٣٥) ذكر صورة للمبارأة، قال: " المبارأة: التي تبارئ زوجها قبل أن يدخل بها، فتقول: خذ الذي لك وتاركني، ففعل فهي طلقة ".
(٧) سورة البقرة (٢٣٠).
(٨) لوحة رقم [٢/ ٣٠٣].
(٩) هذا في سياق الرد على القائلين بأن التحريمَ يمينٌ ـ على ما تقدم ـ فكفارته كفارة يمين.
(١٠) يريد أنها ثلاث تطليقات.
والأثر عنهما أخرجه عبد الرزاق [٦/ ٤٠٣ كتاب الطلاق، باب الحرام] وابن أبي شيبة [٤/ ٩٥ كتاب الطلاق، ما قالوا في الحرام، من قال لها أنت علي حرام .. ].
(١١) لم أقف على من نسب للفقهاء السبعة هذا القول، وكتب الخلاف تذكر هذا القول وتعزوه إلى علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت ومالك بن أنس - رضي الله عنه -.
ينظر: المدونة (٣/ ١٠٦) مختصر اختلاف العلماء (٢/ ٤١٣) وأحكام القرآن للجصاص (٥/ ٣٦٢) والاستذكار (٦/ ١٦) وبداية المجتهد (١/ ٣١٠) وأحكام القرآن لابن العربي (٤/ ٢٩٥) والجامع لأحكام القرآن (١٨/ ١٧٣).
(١٢) سورة التحريم (٦).
(١٣) أورده في الدر المنثور (٨/ ٢٢٥) بنحوه، من حديث زيد بن أسلم، وعزاه إلى ابن مردويه.

<<  <   >  >>