للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أنس: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمد صوته مدا) (١).

قال الله عز وعلا: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (٢).

قال الحسن: العمل به هو الثقيل (٣).

وقال قتادة: ثقل والله فرائضه وحدوده (٤).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة [٢/ ٢٥٧ كتاب الصلاة، في حسن الصوت بالقراءة] وابن ماجه [١/ ٢٤٥ كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في القراءة في صلاة الليل] والنسائي في الكبرى [١/ ٣٤٧ كتاب صفة الصلاة، مد الصوت بالقراءة] وابن حبان [١٤/ ٢٢٢ كتاب التاريخ، باب من صفته - صلى الله عليه وسلم -] عن أنس، به.
(٢) سورة المزمل (٥).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٨١) به.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٣٢٤) والطبري في تفسيره (١٢/ ٢٨١) به.
اقتصر المؤلف ـ رحمه الله ـ على هذين القولين، في معنى {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} وهو ثقل العمل به أو ثقل حدوده وفرائضه وهما متقاربان في المعنى، فمتعلق {قَوْلًا ثَقِيلًا} بالعمل، أي العمل به ثقيل، واختار ابن العربي أن متعلقه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، أي أنه ثقيل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لما كان يعانيه من شدة حال نزول الوحي، يقول رحمه الله: " فيها قولان: أحدهما ثقله على النبي حين كان يلقيه الملك إليه ... الثاني ثقل العمل به، قاله الحسن وقتادة وغيرهما، والأول أولى؛ لأنه قد جاء: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بعثت بالحنيفية السمحة) ... وقد روي أن النبي كان ينزل عليه الوحي وهو على ناقته فتلقي بجرانها على الأرض فلا يزال كذلك حتى يسرى عنه، وهذا يعضد ثقل الحقيقة " أحكام القرآن (٤/ ٣٢٨)، على أن وصف العمل بأنه ثقيل، لا ينافي نفي الحرج الوارد في الآية، أو وصف هذه الملة بالسماحة؛ لأن الحرج المنفي هو ما أوقع في العنت المانع من أداء التكاليف، أو حَمَلَ العبد على تَكلُفِ أداءها، على نحو تَخْرُجُ به عن المشقة المعتادة ـ التي هي في طوق المكلفين ـ ولذا وصف الله تعالى الصلاة بأنها كبيرة، يقول تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} قال ابن كثير: " وإنها لكبيرة أي مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين " وكذلك وصف تعالى الجهاد بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} ولهذا فقد اختار الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٨١) أن الآية عامة تشمل ما ذكره المؤلف وما اختاره ابن العربي، قال: " وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل، فهو كما وصفه به، ثقيل محمله، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه " والله أعلم.

<<  <   >  >>