في ثنايا الكتاب مواضع تكشف عن أن المؤلف كان يرى أن رسم المصحف واجب الالتزام، لا يجوز الخروج عنه، ولا مخالفته، ويراه ركنا من أركان قبول القراءة أو ردها، حتى وإن كانت صحيحة الإسناد، وقد صرح بذلك حيث قال:" وكل رواية جاءت مخالفة لمصحفنا ردت على راويها، دون من حكي عنه ذلك من الصحابة؛ لأن من دونه أولى بالخطأ منه ".
ولهذا فقد كان موقفه واضحا فيما يتعلق ببعض الروايات التي فيها تخطئة ما أُثبت في رسم المصحف الإمام، كالرواية عن ابن عباس - رضي الله عنه - عند قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(١) وقد أجاب عنها من أربعة أوجه: الأول من جهة تفرد ابن عباس - رضي الله عنه - بها، والثاني من جهة دلالة الأحاديث المرفوعة على المعنى الذي جاءت به الآية، والثالث من جهة مخالفتها رسم المصحف، والرابع من جهة تضمنها معنى الاستئذان، فكانت أقوى في الدلالة وأصح في المعنى من لفظ الاستئذان، قال:" قال أيوب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله ـ عز وجل ـ:{تَسْتَأْنِسُوا} إنما هو تستأذنوا وتسلموا على أهلها، وقال: غلط الكاتب " ثم استدل بخبر استئذان عمر واستئذان أبي موسى الأشعري قال: " فقال عمر للغلام: " استأذن لعمر! فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له فصمت، فعل ذلك ثلاثا، فلما ولى عمر اتبعه الغلام فقال: قد أذن لك، وذكر القصة بطولها، ومع ذلك فإن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر ثلاثا فلم يؤذن له، فانصرف فرده عمر فسأله عن انصرافه، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(الاستئذان ثلاثا) ... وهذان حديثان مرفوعان يدفعان ما روي عن ابن عباس،