للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن في تأويله لما روى أبو موسى - رضي الله عنه - في سورة الصف، وحمله على أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفة لظاهر الرواية، وجزم في أمر لا دليل عليه، وجائز أن تكون من القرآن الذي نسخت تلاوته، على ما دل عليه قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (١) وظاهر كلام أبي موسى - رضي الله عنه - يشهد لهذا إذ قال: " لقد نزلت سورة كنا نسميها المسبحات، أولها سبح لله فنسيتها، غير أني حفظت منها: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، فتكتب شهادة في أعناقكم ثم تسألون عنها يوم القيامة}.

· الفقرة الثالثة: الناسخ والمنسوخ.

علم الناسخ والمنسوخ من أشرف علوم القرآن الكريم وأجلها، ولم يزل أهل العلم يحذرون من الخوض في كلام الله تعالى دون العلم به، وفي هذا السياق يروى أبو عبد الرحمن السلمي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرَّ برجل يقص، فقال: أعرفت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت) (٢). لأن الجهل به قد يوقع المرء في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، ولهذا فكتب أحكام القرآن، تولي عناية خاصة بهذا العلم عصمة من الوقوع في المحظور، وقد ظهر ذلك الاهتمام والعناية في كتاب أحكام القرآن للقشيري، ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:

أولا: يرى المؤلف أن القرآن الكريم هو خاتم الكتب المنزلة المتضمن لأكمل الشرائع وخاتمها لا يجوز أن تعارض أحكامه بشرع من قبلنا؛ لأنه الناسخ لها، المهيمن عليها، أشار إلى ذلك عند كلامه عن مسألة القول بجواز الجلد بالضعث ونحوه مرة واحدة استدلالا بقوله تعالى:


(١) سورة البقرة (١٠٦).
(٢) أخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ٤٨.

<<  <   >  >>