للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم فيها بين مقل ومستكثر، وقد جرى لأبي الفضل القشيري مع المخالف شيء من هذا ليس بكثير، سبق الإشارة إليه (١).

ومثله كذلك أبو بكر بن العربي جرى له ذلك، غير أن دائرته عند ابن العربي أوسع نوعا ما، نظرا لاتساع الخلاف بين المذاهب مع التطور الزمني، وظهور التعصب في أتباع تلك المذاهب على نحو لم يكن في أسلافهم، وأسوق هنا مثالين عند ابن العربي، تعطي صورة لشدته في بعض المواقف على المخالف، وتعصبه لمذهبه، يقول في تفضيل مالك على الشافعي: " كل ما قال الشافعي، أو قيل عنه، أو وصف به، فهو كله جزء من مالك، ونخبة من بحره، ومالك أوعى سمعا، وأثقب فهما، وأفصح لسانا، وأبرع بيانا، وأبدع وصفا، ويدلك على ذلك مقابلة قول بقول في كل مسألة وفصل" (٢)، وفي المراد بالأشد في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (٣) قال عن أبي حنيفة: " قال أبو حنيفة: الأشد خمسة وعشرون عاما، وعجبا من أبي حنيفة؛ فإنه يرى أن المقدرات لا تثبت نظرا ولا قياسا، وإنما تثبت نقلا على ما بيناه في أصول الفقه، وهو يثبتها بالأحاديث الضعيفة، ولكنه سكن دار الضرب، فكثر عنده المدلس، ولو سكن المعدن ـ كما قيض الله لمالك ـ لما صدر عنه إلا إبريز الدين، وإكسير الملة كما صدر عن مالك".

بقي أن يقال: إن الإمامين وإن جرى لهما شيء من هذه الشدة مع المخالف، فلم يكن بالكبير ولا الكثير، وإن كان ترك ذلك أولى بهما وأحرى.


(١) ينظر من هذه الرسالة: ص ١٣٨.
(٢) أحكام القرآن (١/ ٤١٠).
(٣) سورة الأنعام (١٥٢).

<<  <   >  >>