للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن هناك قدرا كبيرا من التشابه في الاختيار والترجيح بينهما، بل وربما حتى في علل الترجيح، ولعل ذلك التشابه الكبير يرجع إلى ما سبق الإشارة إليه في أول هذا المبحث، من اتحاد المذهب، وتأثير كتاب القاضي إسماعيل عليهما.

٥. تنوعت المرجحات التي اعتمدها القشيري وابن العربي، فمن الأدلة المشهورة: الكتاب والسنة وأقوال السلف والإجماع وما عليه العمل وجرت به الفتوى، فهناك ـ أيضا ـ النظر العقلي في الأقوال وأدلتها وعللها، وسأكتفي بذكر مثال واحد على النظر العقلي، والمَلَكَة الذهنية في الترجيح عند الإمامين، ففي مسألة عدم مخاطبة أهل الكتاب بفروع الشريعة استدل القشيري على ذلك بقوله: " وقوله عز وجل: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} دليل على أنه لا تحريم على الكافرين وأنه لا اعتراض لنا في زناتهم وفسوقهم وخمورهم، إذا أقررناهم على أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، ... وإن احتج محتج بقول الله عز وجل: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (١) قيل له: معنى حل لهم إنما هو حل لكم أن تَطْعِمُوهم، فأما أن يظن ظان أن قولنا لهم: إنه حل لكم، وهم يدفعون الكتاب الذي فيه هذه الآية، كيف يكون منهم القبول، هذا ما لا يظنه ذو فهم ومعرفة" (٢).

ومن الأمثلة عند ابن العربي ما أورده في مسألة ضابط الرشد الذي إذا بلغه اليتيم يدفع إليه ماله، قال: " المسألة السابعة حقيقة الرشد، فيه ثلاثة أقوال: الأول صلاح الدين والدنيا والطاعة لله وضبط المال، وبه قال الحسن والشافعي. الثاني: إصلاح الدنيا والمعرفة بوجوه أخذ المال والإعطاء والحفظ له عن التبذير، قاله مالك. الثالث: بلوغ خمس وعشرين سنة، قاله أبو حنيفة، وعول الشافعي على أنه لا يوثق على دينه، فكيف يؤتمن على ماله، كما أن الفاسق لما لم يوثق على صدق مقالته لم تجز شهادته. قلنا له: العيان يرد هذا فإنا


(١) سورة المائدة (٥).
(٢) ينظر من هذه الرسالة: ص ٤٦١.

<<  <   >  >>