للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عينه بعينه، وكذلك سائر الجراح وذلك في نسق الآية، فزعموا أن النفس تساوي النفس، واليد لا تساوي اليد (١)، فإن كانوا أرادوا الجسم فالمساواة ظاهرة بينه، وإن أرادوا الجنس فالجنسان مختلفان، وقد قال الله عز وجل: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} (٢) والعبد لا يتصدق عندهم؛ لأن الحق لسيده، والكافر لا تُكفر عنه صدقته، فقد خالفوا ظاهر الآية وباطنها (٣)،


(١) ذهب الأحناف إلى: ألا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا في الأنفس. [أحكام القرآن للجصاص: ١/ ١٩٠].
(٢) [سورة المائدة: الآية ٤٥]
(٣) قال أبو عبيد: يذهب ابن عباس - فيما نرى - إلى أن الآية التي في المائدة: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ليست بناسخة للتي في البقرة: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} ولا هي خلافها، ولكنهما جميعاً محكمتان إلا أنه رأى أن التي في المائدة كالمفسرة للتي في البقرة وأما أهل العراق فيرون أن من رأى منهم أن آية: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} منسوخة نسختها: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} في قوله، فيجعلون بين الأحرار والعبيد القصاص في النفس خاصة، ولا يرون ذلك فيما دون ذلك بينهم قصاص. [انظر الناسخ والمنسوخ: ١٣٩]
وهذا ما ذهب إليه القاضي إسماعيل بن إسحاق - فيما نقله عنه ابن حجر - من الجمع بين الآيتين، حيث قال: قال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن: الجمع بين الآيتين أولى، فتحمل النفس على المكافئة، ويؤيده اتفاقهم على أن الحر لو قذف عبداً لم يجب عليه حد القذف، قال: ويؤخذ الحكم من الآية نفسها فإن في آخرها: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} والكافر لا يسمى متصدقاً ولا مكفراً عنه، وكذلك العبد لا يتصدق بجرحه؛ لأن الحق لسيده. [فتح الباري: ١٢/ ٢٤٦، ٢٦٠].

وسيأتي مزيد إيضاح وبيان في مسألة قتل المسلم بالكافر عن تفسير آية ٤٥ من سورة المائدة.

<<  <   >  >>