للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوعظ المرتهن ولم يعظ الراهن؛ لأنه قد توثق منه، فكان الرهن وثيقة لحقه، كالشهادة وثيقة لحقه، فكل من كان القول قوله موعوظاً، ألا تراه قال في أول الآية: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ يُدَبِّرُ} (١) ولم يقل ذلك عن الشهادة والرهن (وليتق الله ربه)؛ لأنه قد توثق منه فصار القول قول المرتهن مع يمينه إلى مبلغ قيمة الرهن، فإن ادعى مرتهن فوق قيمة الرهن لم يحكم له إلا بقيمة الرهن، وكان فيما ادعاه من الفضل بمنزلة من ادعى على رجل حقاً لا وثيقة بيده منه، فكانت اليمين فيه على الراهن (٢)، وإنما نقول هذا في الرهن إذا ثبت أنه رهن، أو تقاررا على الرهن، فأما إذا قال صاحبه: إنه وديعة، وادعى الذي هو في يده: الرهن، فالقول قول مالك السلعة، واليمين له، فيستحق بها (٣).


(١) [سورة البقرة: الآية ٢٨٢]
(٢) انظر كلام القاضي إسماعيل في الاستذكار: ٢٢/ ١١٨، وقد أورد الجصاص في أحكامه: ٢/ ٧٢٧ كلام القاضي إسماعيل وأجاب عنه.
وقد رجح القرطبي القول الثاني، وأجاب عما ذكر أنه حجة لمالك، حيث قال: لما قال الله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} دل ذلك على أنه مؤتمن فيما يورده ويصدره فيقتضي ذلك قبول قول الراهن مع يمينه، إذا اختلف هو والمرتهن في مقدار الدين، والرهن قائم، فيقول الراهن: رهنت بخمسين، والمرتهن يدعي مائة، فالقول قول الراهن والرهن قائم وهو مذهب أكثر الفقهاء.
ثم قال: وقال مالك: القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن ولا يصدق على أكثر من ذلك، فكأنه يرى أن الرهن ويمينه شاهد للمرتهن، وقوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} رد عليه فإن الذي عليه الحق هو الراهن.
[الجامع لأحكام القرآن: ٣/ ٣٨٨].
(٣) المدونة: ٤/ ١٤٥.

<<  <   >  >>