ولعل الأقرب للصواب ما ذكره المؤلف هنا من أن كل مستحق للحجر فهو سفيه، قال ابن جرير: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا: أن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} فلم يخصص سفيهاً دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان أو رجلاً كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو: المستحق الحجر بتضييعه ماله، وفساده وإفساده، وسوء تدبيره ذلك. [جامع البيان: ٤/ ٢٤٧]
قلت: وما ذكره المؤلف هنا: من أن السفه حال ذم، وأن الصبيان غير مؤاخذين بالذنوب، وأنه كيف يقال بأنه لا يجوز أن يهب الناس للنساء والصبيان الهبات. فيه نظر، قال أبو بكر الرازي: وليس السفه في هؤلاء صفة ذم، ولا يفيد معنى العصيان لله تعالى، وإنما سموا سفهاء لخفة عقولهم، ونقصان تميزهم عن القيام بحفظ المال، فإن قيل: لا خلاف أنه جائز أن نهب النساء والصبيان المال، وقد أراد بشير أن يهب لابنه النعمان فلم يمنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - منه إلا لأنه لم يعط سائر بنيه مثله، فكيف يجوز حمل الآية على منع إعطاء السفهاء أموالنا؟ قيل له: ليس المعنى فيه التمليك وهبة المال، وإنما المعنى فيه أن نجعل الأموال في أيديهم وهم غير مضطلعين بحفظها، وجائز للإنسان أن يهب الصغير والمرأة كما يهب الكبير العاقل، ولكنه يقبضه له من يلي عليه ويحفظ ماله ولا يضيعه، وإنما منعنا الله تعالى بالآية أن نجعل أموالنا في أيدي الصغار والنساء اللاتي لا يكملن بحفظها وتدبيرها. [أحكام القرآن: ٢/ ٩٠]. وقال ابن العربي: وقد قال بعض الناس إن السفه صفة ذم والصغيرة والمرأة لا تستحقان ذماً. وهذا ضعيف فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وصف المرأة بنقصان الدين والعقل، وكذلك الصغير موصوف بالغرارة والنقص وإن كانا لم يفعلا ذلك بأنفسهما لكنهما لا يلامان على ذلك، فنهى الله سبحانه عن إيتاء المال إليهم وتمكينهم منه، وجعله في أيديهم، ويجوز هبة ذلك لهم فيكون للسفهاء ملكاً، ولكن لا يكون لهم عليه يد. [أحكام القرآن: ١/ ٤١٥].