أما قول مالك الذي شاركه فيه عكرمة وربيعة باستحباب الوضوء للمستحاضة، فقد استدلوا عليه بحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة بنت أبي حبيش « ... ثم اغتسلي وصلي» قائلين إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمرها بالوضوء لكل صلاة، ولأنه ليس بمنصوص عليه، فنرد عليهم بأن حديث عائشة السابق جاء فيه «توضئي لكل صلاة» وهذه زيادة يجب قبولها ويتعين المصير إليها، وهي ردُّ على قولهم (ليس بمنصوص عليه) وكما أن روايتهم صالحة - فقد رواها البخاري - فروايتنا هي أيضاً صالحة رواها الترمذي وقال (حسن صحيح) ثم إن روايتهم فيها سكوت وروايتنا فيها نطق، والنطق مقدَّم على السكوت.
أما إن جاء من يجادل في أن نزول الدم للمستحاضة لا شيء فيه، وأنه ليس بناقض فلا يجب له الوضوء، قلنا: وكيف تفسر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحمنة بنت جحش «أنعت لك الكُرْسُف» أي ضعي قطناً لمنع نزول الدم؟ فلما قالت: هو أكثر من ذلك - أي لا يمنع القطنُ نزوله - قال «فتلجَّمي» أي أكثري من وضع ما يحول دون نزوله أجل كيف تفسر هذين الأمرين إن كان نزول الدم من الفرج غير ناقض؟ وحيث أن الوضوء هنا مشروعٌ لعذر وضرورة فإنه يقيَّد بقدرهما، فيكون هذا الوضوء المشروع لكل صلاةِ فريضةٍ صالحاً طيلة وقت الصلاة المفروضة، فبالوضوء الواحد تصلي في وقت الصلاة ما شاءت من صلوات، فإذا انتهى الوقت بطل وضوؤها، فإذا أرادت صلاة جديدة توضأت لها وضوءاً جديداً، وهكذا.