نخلص من ذلك كله إلى أن المستعمَل يجوز استعماله في الوضوء لأنه يظل ماء، وحكم الماء أنه لا يُجنِب وأنه طَهور، إلا ما غُلب على صفاته وسُلب اسمُه، والوضوء لا يغيِّر صفات الماء ولا يسلبه اسمه، ولذا يظل طَهوراً وإن أصابه بعضُ الدنس القليل من أعضاء الوضوء، إلا أن يكون المتوضِّيء ملطَّخاً بالقَذَر، فيخرج ماء وضوئه ملطخاً وقد غُيِّرت صفاتُه وسُلب اسمه، فحينذاك لا يجوز التوضؤ به، أو أن يكون المتوضيء مُلطَّخاً بالنجاسة فيخرج ماء وضوئه نجساً، وهذا أندر من الكبريت الأحمر. وبذلك نفرغ من مناقشة رأي القائلين بأن المستعمَل في رفع الحدث طاهر غير مطهِّر، وقد بان الصواب في هذه المسألة.
٧- وننتقل الآن لمناقشة الرأي الأخير. اعتمد أبو يوسف القاضي وشيخه أبو حنيفة في رواية عنه على حديث «لا يبولَنَّ أحدكم ... » فقالا: اقترن النهي عن الاغتسال من الماء الدائم بالنهي عن البول فيه، وبدلالة الاقتران والتسوية بين الأمرين نخرج بحكم تنجيس الماء بالاغتسال فيه مثل تنجيسه بالبول فيه، وعند هذين الإمامين أن دلالة الاقتران تفيد التسوية في أصل الحكم، وفي تفاصيله.
ونجيب على هذه الشبهة إضافة إلى ما سبق بأن دلالة الاقتران ضعيفة عند الأصوليين، وحتى من يقولون بها، لا يشترطون التسوية بين طرفي الاقتران، فقد يقترن نهيان أو أكثر، ويكون حكم الأول التحريم وحكم غيره الكراهة، وقد يقترن أمران أو أكثر، ويكون حكم أحدهما الوجوب وحكم الآخر الندب أو الإباحة، فهذه القاعدة التي استندا إليها ضعيفة بل خاطئة لا يجوز أن يُعوَّل عليها، وقد سبق أن أشرنا إلى هذه النقطة بما يكفي.