ولا يقال إن هذا في موضوع الاستحاضة فيقصر عليه، أو يقال إن هذا الدم خرج من الفرج فيقصر عليه، لا يقال ذلك لأن العبرة بألفاظ الحديث وهي تفيد العموم، وهذه الألفاظ وصفت الدم بأنه من عِرق، وحيث أن أي دم ينزف من البدن إنما يخرج من عِرق مقطوع، فإنه يدخل تحت هذا الوصف ويأخذ حكمه، وهذا ليس من باب القياس، وإنما هو من باب تطبيق العام على أفراده. فالحديث يشمل دم الاستحاضة ودم الجروح ودم الرعاف سواء بسواء، لأن كل ذلك دم عرق، ودم العِرق يُغسل ويَنقُض. هذا هو وجه الاستدلال وهذا هو وجه الفقه فيه.
أما أن يقال إنه خرج من الفرج فلا يقاس عليه غيره فهو خطأ، لأن الحديث لو لم يذكر أنه دم عرق، وقال إن دم الاستحاضة يُغسل ويَنقض، أو قال إن دم الفرج يُغسل ويَنقض لكان هذا القول في محله ولانتفى الشمول، أما وأن الحديث ذكر دم الاستحاضة بأنه يخرج من عرق، وأنه نجس وناقض، فإنَّ كل دم يدخل تحت هذا الوصف يأخذ حكمه في النجاسة والنقض، وحيث أن كل الدم الخارج من البدن إنما يخرج من عروق فإن كل دم خارج من البدن يشمله الحديث وينقض الوضوء، ولذا فنحن لسنا في حاجة إلى دليل خاص على أن الرعاف ناقض لأن دليلنا الصحيح هذا كافٍ للدلالة على أنه ناقض للوضوء. أما ما رواه الدارقطني والبيهقي من طريق ابن جريج عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قَلَسَ أو قاء أو رعفَ فلينصرف فليتوضأ، وليُتِمَّ على صلاته» وما رواه الدارقطني وابن ماجة والبيهقي من طريق ابن جريج عن ابن أبي مُليكة عن عائشة، فذكر الحديث أعلاه، وما رواه الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن سلمان رضي الله عنه قال «رعفتُ عندَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: توضأ» . فهذه الأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للاستدلال.