الأحاديث الثمانية تصلح للاحتجاج باستثناء السادس منها الذي رواه النَّسائي وغيره، فقد أعلَّه ابن حجر بعلَّتين فنطرحه. الحديث الأول «أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل» والحديث الثاني «سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل فقال توضأوا منها» والحديث الثالث «أفنتوضأ من لحومها؟ قال: نعم» والحديث الرابع «توضأوا مما مسَّت النار» والحديث الخامس «أكلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر خبزاً ولحماً، فصلوا ولم يتوضأوا» والحديث السابع «فلم يُؤتَ إلا بالسَّويق فأمر به فَثُرِّي، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأكلنا.... ثم صلى ولم يتوضأ» والحديث الثامن «أكل عندها كتفاً ثم صلى ولم يتوضأ» .
الأحاديث الثلاثة الأولى فيها أنَّ الأكل من لحوم الإبل ينقض الوضوء منطوقاً وصراحة، والحديث الرابع فيه الوضُوءُ مما مسَّت النار، والحديث الخامس فيه أنَّ أكلَ اللحم من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل أبي بكر وعمر لا ينقض الوضوء، والحديث السابع فيه أن أكل السَّوِيق من فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته لا ينقض الوضوء، والحديث الثامن فيه أن أكل اللحم المطبوخ لا ينقض الوضوء. الأحاديث الثلاثة الأولى تأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، والحديث الرابع وحده يأمر بالوضوء من أكل ما مست النار، والأحاديث ٥، ٧، ٨ فيها أن أكل ما مسَّته النار لا ينقض الوضوء باختلاف الأحوال، فتارة اللحم، وتارة السَّوِيق ـ وهما مما مسته النار ـ وتارة من فعله عليه الصلاة والسلام، وتارة من فعل أصحابه رضوان الله عليهم، وتارة من فعله وفعل الصحابة معاً.
من هذا الاستعراض نستخلص أن الوضوء من أكل ما مسته النار كان مطلوباً، ثم جاءت أحاديث متأخرة تبطل هذا الطلب وتنسخه. فحديث السَّوِيق كان في غزوة خيبر، وغزوة خيبر متأخرة، فيصلح ناسخاً، يشهد لذلك ما روى محمد بن مسلمة «أكل رسول