تدل هذه الأحاديث الثلاثة على وجود فارق في الصلاة بين المكتوبة والتطوع، هذا الفارق هو أن صلاة التطوع - وعُبِّر عنها بالتسبيح في الحديثين ب، ج - يصح تأديتها على ظهر الدابة، بينما يتوجب أداء الفريضة على الأرض، وطبعاً على هيآتها المعلومة، «فإذا أراد الفريضة نزل»«ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة»«غير أنه لا يصلي عليها - أي على الدابة - المكتوبة» وهذه نصوص بالغة الوضوح على أن صلاة الفريضة لا تؤدَّى إلا على الأرض، ولا يُشرع أداؤها على ظهر الدابة.
وحيث أن الجلوس على ظهر الدابة والجلوس على الكرسي شئ واحد وفعل واحد، لأن كلا الفعلين جلوس المرء على مقعدته وترك رجليه تتدليان إلى أسفل، فإن هذين الفعلين يشتركان في حكم شرعي واحد، وأن ما ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر، هذا الحكم الشرعي هو الجواز والإباحة في صلاة التطوع فحسب، فمن أراد أن يصلي تطوعاً ونافلةً جاز له ذلك وهو جالس على الكرسي، كما جاز له ذلك وهو جالس على ظهر دابة سواء بسواء، وتكون صلاته صحيحة متقبَّلة.
أما صلاة الفريضة أو المكتوبة فلم يُشرع أداؤها على ظهر الدابة، كما لم يشرع أداؤها على الكرسي، لأن الفعلين فعل واحد في واقعهما، ولم يُرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صلى الفريضة أبداً وهو على ظهر دابته، أو وهو جالس على كرسي، وإنما جاءت النصوص تذكر فقط أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على ظهر دابته صلاة التطوع فحسب. وليس ذلك فقط، وإنما تذكر هذه النصوص أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يصلي الفريضة وهو راكبٌ دابته نزل عنها وصلاها على الأرض، ولو كانت صلاة الفريضة تصح على ظهر الدابة لأدَّاها ولو مرة واحدة ليدل ذلك على الجواز، فلما لم يفعل ذلك مرة واحدة، والتزم في كل مرة بأداء المكتوبة على الأرض فإن ذلك دليل واضح على أن الصلاة المكتوبة تُؤدَّى على الأرض فحسب.