للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: إنا أيضاً لا نسلم بدعواهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد نهاهم عن قراءة الفاتحة خلفه، وإنما الصحيح أن النهي كان عن اقتران قراءتهم بقراءته عليه الصلاة والسلام، فالنهي إنما هو عن أن يقرأوا الفاتحة في أثناء قراءته هو للفاتحة، ولا يفيد النهي أكثر من ذلك، فقوله عليه الصلاة والسلام «قد علمتُ أن بعضكم خالجنيها» وقوله «مالي أُنازَع القرآن» واضح الدلالة على ما نقول، فلو لم ينازَع عليه الصلاة والسلام القرآن لما كان النهي ولما كان الانتهاء، فلما تبين هذا علمنا أن النهي لم يشمل القراءة في غير ذلك الوقت، وإنما بقيت القراءة على حالها من الوجوب، ويشهد لهذا المعنى ما جاء فيما رواه عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغداة، فثقُلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: إني لأراكم تقرأون وراء إمامكم، قلنا: نعم والله يا رسول الله إنا لنفعل هذا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» رواه أحمد. ورواه الترمذي وقال (حديث عُبادة حديث حسن والعمل على هذا في القراءة خلف الإمام عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين) ورواه أبو داود بلفظ «.. فلا تقرأوا بشئ من القرآن إذا جهرتُ إلا بأم القرآن» ورواه النَّسائي بلفظ « ... لا يقرأنَّ أحدٌ منكم إذا جهرتُ بالقراءة إلا بأُمِّ القرآن» . فقد دل هذا على أن النهي إنما هو عن المخالجة والمقارنة، وبقي الوجوب على حاله من حيث قراءة الفاتحة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكتف بطلبها بل طلبها مقرونة بحكمها وهو الوجوب الذي يكون معه التَّمام، ويكون بفقده البطلان. وبإدراك هذا المعنى يدرك معنى الحديث الذي رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ فأنصتوا ... » رواه أحمد وابن

<<  <  ج: ص:  >  >>