والنفخُ وإن كان بصوت مسموع فإنه غير محظور، لأنه ليس كلاماً حتى ولو خرج بحروف، قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كسوف الشمس «وجعل ينفخ في الأرض ويبكي وهو ساجد في الركعة الثانية وجعل يقول: ربِّ لِمَ تعذبهم وأنا فيهم؟ ربِّ لِمَ تعذبنا ونحن نستغفرك؟ فرفع رأسه وقد تجلَّت الشمس ... » رواه أحمد. ورواه أبو داود وجاء فيه « ... ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف، ثم قال: رب ألم تَعِدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ففرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاته وقد أَمْحَصَت الشمسُ» . قوله أَمْحَصت: أي ظهرت وانجلت. فهذان دليلان على جواز النفخ في الصلاة، دليلٌ على مطلق النفح، وآخر على النفخ بحرفين اثنين، فماذا يقول أصحاب القول بحرمة إخراج أي صوت بحرفين، الذين يعدُّون ذلك كلاماً؟.
نعم نحن نقول بحرمة الكلام بحرفين، بل ونقول بحرمة الكلام بحرف واحد مثل فعل الأمر: قِ أو فِ أو عِ، من وقى ووفى ووعى، ما دام الحرف قد خرج على أنه كلام، أما إن خرج صوتٌ من غير جنس الكلام فما دليلهم على تحريمه؟ فهذا صوت قد خرج بحرفين [أف أف] وخرج مكرَّراً، أي خرج بأربعة حروف، أخرجه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فهل يبقى لهم عذر بعد ذلك؟.