للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنحنحة وإن كانت بصوت مسموع، وإن خرجت بحرف أو بحرفين أو حتى بثلاثة (إِ حِ مْ) ، فهي ليست كلاماً، ومن ثَمَّ فإنها ليست محظورة، وهذا كافٍ وحده، ومع ذلك فإن عندنا ما يدل على جوازها من النصوص، فعن علي رضي الله عنه قال «كان لي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعةٌ آتيه فيها، فإذا أتيتُه أستأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلتُ، وإن وجدته فارغاً أَذِن لي» رواه النَّسائي. ومثل النفخِ والنحنحةِ والبكاءِ: الأنينُ والتَّوجُّعُ والحشرجةُ، لأن الدليل قد قام على تحريم الكلام، والكلام هو المعهود والمعروف، وما سواه فغير داخل في هذا الدليل.

والكلام مع الناس في الصلاة، هل هو من مبطلاتها وما يترتب على ذلك من وجوب الإعادة، أم هو حرام فحسب يأثم صاحبه وينقص من صلاته ولا يترتب عليه إعادة الصلاة؟ قال ابن المنذر (أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامداً وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة، واختلفوا في كلام الساهي والجاهل) . وقال الترمذي (العملُ عليه عند أكثر أهل العلم قالوا: إذا تكلم الرجل عامداً في الصلاة أو ناسياً أعاد الصلاة) . وقال قوم: إذا تكلم الرجل عامداً في الصلاة أعادها، وإذا تكلم ناسياً أو جاهلاً صحَّت صلاته. وعزاه النووي إلى الجمهور.

وقد استدل من قال ببطلان صلاة المتكلم بقوله عليه الصلاة والسلام «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس» وهو طرفٌ من حديث رواه مسلم وغيره من طريق معاوية بن الحكم وقد مرَّ قبل قليل. فقالوا إنَّ كون الكلام لا يصلح في الصلاة معناه أنه يُفسد الصلاة، فإذا أفسدها أبطلها ووجبت إعادتها. وأخذ قوم من هؤلاء بقاعدة أنَّ ما يحرم في الصلاة يبطلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>