للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما استدلالهم الأول وهو أن القول «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس» يدل على فساد صلاة المتكلم، فمنقوض هو الآخر بحديث معاوية بن الحكم نفسه، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع كلام معاوية في الصلاة، وأفهمه أنه فعل حراماً، وأنه فعل ما لا يصلح في الصلاة، واكتفى بهذا البيان ولم يزد عليه أمراً بوجوب الإعادة. فالقول إذن بوجوب الإعادة هو تقوُّلٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يجوز.

وأما قولهم إن الكلام جهلاً لا يبطل الصلاة، وإن معاوية هذا تكلم جاهلاً والجاهل معذور، فالرد عليهم هو أن ما يُبطِل الصلاة من ترك شرط أو ترك ركن لا يجعل فاعلَه جهلاً ناجياً من بطلان صلاته ووجوب إعادتها، ذلك أنَّ من صلى دون وضوء جهلاً أو نسياناً، أو من صلى قبل دخول الوقت جهلاً أو نسياناً، أو من صلى فترك الركوع جهلاً أو نسياناً فصلاته باطلة، وتجب عليه إعادتها، ولا ينفعه جهله ولا سهوه هنا، وبناء على هذا فإنا نقول إنَّ معاوية بن الحكم لو فعل ما يبطل الصلاة، سواء كان ذلك جهلاً أو نسياناً، فإن صلاته تصبح باطلة، وعندئذٍ يأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، فلما وجدنا أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بإعادتها، فقد دل ذلك على أن الكلام ليس من مبطلات الصلاة.

وأيضاً قد روى أبو هريرة رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم في الصلاة ناسياً، فبنى على ما صلى» رواه الطبراني. فقوله «فبنى على ما صلى» بعد أن تكلم ناسياً، يدل بما لا لبس فيه على أن الكلام نسياناً لا يُبطل الصلاة، وأن هذا الحديث يعضد الفهم الذي ذهبنا إليه من أن معاوية بن الحكم لم يُؤمر بالإعادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>