و - إذا ورد نصٌّ في مسألة عولجت المسألةُ بهذا النص وقُصِرَ النصُّ عليها، ولم يَجُزْ علاج أية مسألة أخرى به، إلا أن تكون بين المسألتين علةٌ مشتركةٌ ظاهرةٌ في النص صراحةً أو دلالةً، وإلا فلا قياس مطلقاً لا سيما في العبادات.
بالاتفاق على هذه البنود الأصولية، وبالنظر في آراء الأئمة الأربعة وغيرهم التي استعرضناها آنفاً على ضوء هذه البنود نستطيع بسهولة ويُسرٍ أن نردَّ جميع هذه الآراء، ونُظهر خطأها كلها، ونُثبت أن الصواب قد جانب الجميع فيها، وأنها كلها قد جاءت مخالِفةً للنصوص الشرعية الواردة في هذه المسألة. أما كيف؟ فإليكم البيان:
١ - مناقشة رأي الأحناف: استدلَّ الأحناف على تقدير مسافة القصر بقوله عليه الصلاة والسلام «لا تُسافر المرأةُ فوق ثلاثة أيامٍ ولياليها إلا ومعها زوجها أو ذو رحِمٍ محرمٍ منها» وبقوله - صلى الله عليه وسلم - «يمسح المقيم يوماً وليلةًً والمسافرُ ثلاثة أيامٍ ولياليها» .
فنقول لهؤلاء ما يلي: إن هذين الحديثين لا يدلان على دعواهم بحالٍ من الأحوال، وذلك أن الحديث الأول قد جاء في موضوعٍ خاصٍّ بسفر المرأة فيُقصَرُ عليه ولا يتعداه إلى غيره، والمعلوم فقهياً أن النص إذا جاء مخاطباً النساء قُصِرَ عليهن ولم يدخل فيه الرجال بحال، فلا يشمل هذا الحديث سفر الرجل، فضلاً عن أنه في غير موضوع قصر الصلاة.