وأما الحديث الثاني فقد جاء في موضوع المسح في الوضوء فيُقصَرُ عليه، ولا يُنقلُ إلى موضوع قصر الصلاة في السفر. وإذن فإن هذين الحديثين لا يصح أن يؤتى بهما على موضوعنا، فسفر المرأة غير قصر الصلاة، والمسح في الوضوء غير قصر الصلاة، فهذه ثلاثة مواضيع منفصلة متباعدة لا تجمع بينها علةٌ ظاهرةٌ لا صراحةً ولا دلالةً حتى يصح القياس. ولا يقال إن السفر هو علةٌ مشتركة بين هذه المواضيع، لا يقال ذلك لأن السفر هنا ليس علةٍ وإنما هو سبب، والسبب لا يقاس عليه. وعليه، وحيث أن هذين النصين قد جاءا في موضوعين منفصلين تماماً عن موضوع قصر الصلاة، وحيث أنهما لا يشتركان مع قصر الصلاة بأية علة، فإن القياس هنا لا يصح.
ثم إن هؤلاء قد نظروا في لفظ هذين الحديثين فوجدوا فيهما لفظة السفر، ووجدوا هذه اللفظة قد جاءت بصدد السير ثلاثة أيام ولياليها، فقالوا: ما دام السير ثلاثة أيام ولياليها وُصف بأنه سفر، فإنا نقول إن المسافر هو من سار هذه المدة الزمنية أو أكثر منها، وليس أقل منها، وبذلك يصح له دون غيره قصر الصلاة. فنقول لهم ما يلي:
إننا لا نخالفهم في أن السير ثلاثة أيام ولياليها يعتبر سفراً، ولكننا نقول إن الثلاثة أيام ولياليها لم تأت في الحديثين شرطاً ولا تقييداً للسير حتى يعتبر سفراً، وإنما جاءت تقييداً زمنياً لسفر المرأة وللمسح في الوضوء فحسب، ولا أدل على خطأ دعواهم من الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلة ليس معها حرمة» رواه البخاري ومسلم. قوله: حرمة: أي رجل محرم بنسب أو قرابة. فهذا نص صحيح صريح على أن مسيرة يوم وليلة يطلق عليها اسم السفر، وهي ثلث المسيرة التي جعلوها شرطاً وتقييداً للسير حتى يصح إطلاق اسم السفر عليه.