٣ - مناقشة رأي الشافعية: رأي الشافعية اتِّباع هو الآخر لابن عباس وابن عمر فيما نُسبَ إليهما، وليس اجتهاداً في النصوص الشرعية، انظروا في مسند الشافعي يقول ما يلي [أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح قال «قلت لابن عباس: أقصُرُ إلى عرفة؟ قال:لا، ولكن إلى جدة وعُسفان والطائف، وإن قدمتَ على أهلٍ أو ماشيةٍ فأَتم» . (قال) وهذا قول ابن عمر، وبه نأخذ] . فهو قول واضح تماماً أنه اتِّباع لابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما. وأكرر القول إننا هنا لسنا بصدد تقليد أو اتباع أحد، وإنما نريد أن نستنبط الحكم الشرعي من النصوص الشرعية، وهي متوافرة في مسألتنا هذه، وستأتي بإذن الله.
٤ - مناقشة رأي الحنابلة: القول فيه هو القول نفسه في رأي الشافعية، فالحنابلة قد اتَّبعوا بعض الصحابة، ولم يستدلوا على تقدير المسافة بالنصوص الشرعية، والغريب أنَّ ابن قُدامة، وهو فقيه الحنابلة المقدَّم، لم يأخذ برأي إمامِه أحمد، ولم يقلد أو يتَّبع صحابةً، ولم يستند إلى نص شرعي، وإنما اتَّبع، كما يقول، عامةَ العلماء، فأخذ بمسيرة يومٍ تامٍّ، وليتهُ ذكر لنا أسماء عامة العلماء هؤلاء، أو عددهم على الأقل، فأخطأ خطأين اثنين: أولهما أنه لم يستدل على رأيه بالنصوص الشرعية، والثاني أنه قلَّد أو قل اتَّبع عامة العلماء كما قال، مع أن علماء المذاهب الأربعة هم عامة العلماء، وهم لا يقولون بهذا القول.
٥ - مناقشة رأي ابن حزم: إن ابن حزم بحث المسألة بحثاً لُغوياً، وبنى رأيه على دلالة اللغة، فذكر أن السفر لغةً هو البروز عن محلة الإقامة، وكذلك الضرب في الأرض فأطلق السفر وجعل مطلق السفر يبيح القصر، ولكنه وقد قضى بما قضى به أحبَّ أن يستشهد بقول صحابي على صحة رأيه المبني على دلالة اللغة، فروى قولاً لابن عمر «لو خرجتُ ميلاً لقصرتُ الصلاة» ورواه أيضاً ابن أبي شيبة.