ولقد أخطأ ابن حزم خطأين اثنين: أولهما أنه بنى رأيه على دلالة اللغة، في حين أن هناك نصوصاً شرعيةً حددت مسافة القصر لم يأتِ على ذكرها. والثاني أنه استشهد، ولنقل استأنس بقول ابن عمر ولم يستدلَّ به، وحتى لو استدل به فإنه يبقى مخطئاً، فهو لم يأخذ بقول ابن عمر، وإنما أخذ بدلالة اللغة، ثم أورد قول ابن عمر لأنه رآه يؤيد ما توصَّل إليه، هذا إضافة إلى أن ابن عمر قد رويت عنه أفعال ٌ وأقوالٌ تعارض هذا القول المنسوبة إليه مما يجعلنا لا نطمئن إلى هذا الاستشهاد، ولا نقبل الاحتجاج به. فعن محمد بن زيد بن خُلَيدة عن ابن عمر قال «يَقْصُرُ الصلاةَ في مسيرة ثلاثة أميال» رواه ابن أبي شيبة. وعن نافع عن سالم «أن ابن عمر خرج إلى أرضٍ له بذات النصب فقصر وهي ستةَ عشرَ فرسخاً» رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والشافعي.وعن محارب بن دثار قال: سمعت ابن عمر يقول «إني لأُسافر الساعةَ من النهار فأقصر» رواه ابن أبي شيبة. وهذا عبد الرزاق قد ذكر في مصنَّفه عن ابن عمر عدة روايات مختلفة في تقدير مسافة القصر، فروى عنه أن مسافة القصر هي من المدينة إلى خيبر، وهي تعادل ستةً وتسعينَ ميلاً، وأن المسافة هي من المدينة إلى السُّويداء، وهي تعادل اثنين وسبعين ميلاً، وأنها من المدينة إلى ريم، وهي تعادل ثلاثين ميلاً، فكيف يُجيز ابن حزم وغيره ممن ينهج نهجه أن يستدل أو يستشهد على تقدير المسافة بقولٍ لابن عمر أو بفعلٍ له، وقد تعددت أقواله وأفعاله المروية عنه واختلفت؟
إن ابن حزم قد أخطأ بالاستشهاد بقول ابن عمر، وإن الشافعي قد أخطأ في الاستدلال بفعل ابن عمر الدال على أن القصر في أربعة بُرُدٍ، وإن الحنابلةَ قد أخطئوا بتقليد أو اتباع ابن عمر، فكل من استدل أو استشهد أو قلد أو اتبع ابن عمر رضي الله عنه في هذه المسألة فقد جانبه الصواب.