إن أقوال الصحابة إن تعارضت لم تقم بها حجة، وإن أقوال الصحابي الواحد إن تعارضت اعتُبرت لا قيمة لها، ولم يصح الاستدلال ولا الاستشهاد بها، وقد جاءت أقوال الصحابة في مسألتنا هذه متعارضةً ومختلفةً كثيراً، مما يدعونا إلى طرحها كلها، وعدم الاحتجاج بها مطلقاً، لا سيما وأن في هذه المسألة عدداً من النصوص الشرعية الصحيحة الكافية لاستنباط حكم هذه المسألة منها. قال ابن قُدامة صاحب المُغني [قال المصنف: ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ولا حجة فيها مع الاختلاف، وقد روي عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين (أحدهما) أنه مخالف لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي رويناها، ... (والثاني) أن التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، لا سيما وليس له أصل يرد إليه، ولا نظير يقاس عليه ... ] . ولقد أصاب ابن قدامة في قوله هذا وأجاد.
أما النصوص التي جاءت تعالج هذه المسألة فهي:
أ - عن جُبير بن نُفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعةَ عشر أو ثمانية عشر ميلاً، فصلى ركعتين، فقلت له، فقال «رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى بذي الحُليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل» رواه مسلم وأحمد والنسائي والبيهقي وابن أبي شيبة. وذو الحليفة: موضع يبعد عن المدينة ستةَ أميالٍ أو سبعة أميالٍ تقريباً.
ب - عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة أربعاً، وصلى العصر بذي الحُليفة ركعتين» رواه مسلم والبخاري وأبو داود والنسائي والترمذي. ورواه أحمد وزاد في آخره «آمناً لا يخاف في حجة الوداع»