ج - عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال:
«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ - شُعبةُ الشاكُّ - صلى ركعتين» رواه مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة.
د - عن أبي هارون عن أبي سعيد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فرسخاً قصر الصلاة» رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور.
الحديث الرابع فيه أبو هارون ضعَّفه القطان وأحمد وابن معين وأبو زُرعة وأبو حاتم الرازي والنسائي، ولم أجد مَن وثقه أو قبله، فيترك الحديث. فتبقى عندنا ثلاثة أحاديث صحيحة.
الحديثان الأول والثاني يذكران أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلى بذي الحليفة - وهي تبعد عن المدينة ستةَ أميال أو سبعة أميال - ركعتين، وجاء في الحديث الثاني أنها كانت صلاة العصر. وذكر حديث أحمد أن ذلك كان في حجة الوداع، وفي ذلك دلالة على تأخر هذه الحادثة مما ينفي عنها حصول النسخ. فهذان نصان صحيحان يدلان على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قصر الصلاة الرباعية عندما سافر ما بين ستة أميال وسبعة، فلماذا لم يأخذ الأئمة الأربعة بهذين النصين؟ وإنما راح ثلاثة منهم ينظرون في أقوال الصحابة، ويستنبطون منها الأحكام رغم تعارضها واختلافها، أو في أدلة ليست في المسألة كما فعل الأحناف؟!
إن هذين الحديثين يبطلان أقوال الأئمة الأربعة بشكل واضح، فلا مسيرة ثلاثة أيام ولا مسيرة يومين، ولا مسيرة يوم وليلة، ولا مسيرة ميل واحد تصلح لتقدير مسافة القصر، فوجبت العودة عن هذه الأقوال، والتقيد بفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -.