للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واتِّصالُ هذه الآية بما قبلَها: أنَّ ذلك في أخذِ مال الغيرِ ظاهرًا، وهذا في أخذِه باطنًا.

وقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}؛ أي: مكافأةً لهما على ما فعلا مِنْ فِعلِ السَّرقةِ.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: فإن قيل: ما الحكمةُ في قطعِ يدٍ قيمتُها ألوفٌ بسرقةِ عشرة دراهم، وقد قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [غافر: ٤٠]؟

قلنا: جزاءُ الدنيا محنةٌ يُمتحَنُ بها المرءُ، وللَّه تعالى أنْ يَمتحن عباده (١) بما شاء ابتداءً مِن غير جزاءٍ على كَسْب، ولأنَّ القطعَ ليس بجزاءِ ما أخذَ مِن المال، ولكن لمَا هتكَ مِن الحُرمة، ألا ترى أنَّه قال: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا}، فيجوز أنْ يَبلغ جزاءُ هتكِ تلك الحرمة قطعَ اليد، وإنْ قصرَ عن البشر علمُ ذلك؛ لأنَّ مقاديرَ العقوبات إنَّما يَعلمُها مَن يَعلمُ مقاديرَ الإجرام، وإذا كان كذلك، فحقُّه التَّسليمُ والانقياد (٢).

وقوله تعالى: {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}؛ أي: عقوبةً رادعةً لهما من العود، ولغيرِهما مِن الاقتداء بهما، مأخوذٌ من النُّكول، وهو الامتناعُ، وقد شرحنا ذلك في قِصَّة القِردة مِن سورة البقرة (٣).

وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} {عَزِيزٌ} أي: منيعٌ لا يُعارَضُ في حكمِه، {حَكِيمٌ} فيما حكمَ به في شرعِه، فهو تحصينٌ للأموال، ومنعٌ للعِباد عن سيِّء الأفعال.


(١) لفظ: "عباده": من (ر).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٥١٢ - ٥١٣).
(٣) عند تفسير الآية (٦٦) منها.