للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: ٤٥]، وقال تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: ١١]، مع ما قال فيه على العموم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: ٢٨]، لكنْ أنذر الكلَّ تبليغًا، ونفع ذلك أهل الخشية تنبيهًا، فهذا مثلُه.

وأمَّا جواب (١) الثالث: فهو هدًى للمتقين؛ لأنهم هم المنتفِعون به، فكأنهم خُصوا بذلك، وكذلك (٢) يقالُ في كلِّ مَن انتفع بشيءٍ على الخصوص دون غيره: إنه لك على الخصوص؛ أي: أنت المنتفِع به وحدك، وليس في أنَّ الناس لم يهتدوا به ما يُخرجه عن أن يكون هدًى، فالشمسُ شمسٌ وإنْ لم يرها الضرير، والعسلُ عسلٌ وإنه لم يجد طعمَه الممرور، والمسكُ مسكٌ وإن لم يدرِك طيبَ ريحه (٣) المأنوف.

فالخيبةُ كلُّ الخيبة لمن عطشَ والبحرُ زاخر، وبقي في الظُّلمة والبدرُ زاهر، وخبُثَ والطِّيبُ حاضر، وذوَى والروضُ ناضر.

والحسرةُ كلُّ الحسرة لمن عصى وفسَق والقرآنُ ناهٍ له وآمر، وفارَقَ الرهبةَ والرغبةَ والوعدُ متواترٌ والوعيدُ متظاهر، ولذلك قال جلَّ جلاله: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الحاقة: ٥٠].

قوله تعالى: {لِلْمُتَّقِينَ}: أصلُ هذه (٤) الكلمة من الوقاية، وهي الحفظ، والتَّوقِّي: التحفُّظ، والاتِّقاء: الاحتفاظ؛ أي: الاحترازُ عن الآفَة، وعلى ذلك وقايةُ الرأس والثوب والكتاب، والاسم منه: التقوى.


(١) في (ف): "الجواب عن"، وفي هامشها: "وأما جواب الثالث".
(٢) في (أ): "به وكذلك"، وفي (ر): "بذلك ولذلك".
(٣) في (ف): "طيبه" بدل: "طيب ريحه".
(٤) "هذه": سقط من (أ) و (ف).