للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويحتمل: أحَقٌّ ما تدعونا إليه مِن التَّوحيد، وهو كقولهم لإبراهيم عليه السلام: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء: ٥٥]، وقولِهم لموسى عليه السلام: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة: ٦٧] (١).

* * *

(٥٤) - {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ} قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: أخبرَ أنَّه لو كان لكلِّ نفسٍ أشركَتْ جميعُ ما في الدُّنيا مُلكًا لها لافتدَتْ به عندَ نزولِ العذابِ به لشدَّة العذاب طبًا، للخَلاص، وإنْ كانَ الَّذي منعَ الكفَّار عن الإيمان هو حبُّهم الدُّنيا وحرصُهم عليها وبخلُهم بها، وقال اللَّه تعالى: {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية [يونس: ٧] (٢).

وقوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}: هذا ابتداءٌ غيرُ معلَّقٍ بـ (لو)، ومعناه: أخفَوها؛ أي: عن أتْباعِهم.

وقيل: أي: أضمروها على ما كان منهم مِن التَّكذيب.

وقيل: أي: أظهروها، والإسرارُ لغةٌ في الإظهار والإخفاء جميعًا، وهو مِن الأضداد، وهو قولهم: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ} [الأنعام: ٢٧] ونحوُ ذلك.

وقوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}: أي: بالعدل؛ أي: يُجزى المحسنُ


(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٥١).
(٢) المصدر السابق (٦/ ٥٢).