للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}: قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} يعني: قريشًا {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني: في القرآن، وهي ما دعا إلى النُّسك والخشوع، وصرفَ عن الإثم والفسوق (١).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: هي النَّهيُ، قال اللَّه تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} [النور: ١٧]؛ أي: ينهاكم.

قال: وقيل: هي الَّتي تدعو إلى كلِّ مرغوبٍ، وتزجرُ عن كلِّ مرهوبٍ.

قال: وقيل: هي الَّتي تُلينُ كلَّ قلبٍ قاسٍ، وتُجلِّي كلَّ قلبٍ مُظلمٍ (٢).

وقوله تعالى: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}: الشِّفاءُ: كالدَّواء لإزالة الدَّاء، وداءُ الجهل أضرُّ مِن داء البدن، وعلاجُه أعسرُ، وأطباؤه أقلُّ، والشِّفاء منه أجلُّ:

لكلِّ داءٍ دواءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ... إلَّا الحماقةَ (٣) أعيَتْ مَنْ يُداويها (٤)

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: شفاءُ كلِّ أحدٍ على حسب حاله، فشفاء المذنبين بوجود الرَّحمة، وشفاء المطيعين بوجود النِّعمة، وشفاء العارفين بوجود القُرْبة، وشفاء الواجدين بوجود الحقيقة.

و [يقال]: شفاء العاصين بوجود النَّجاة، وشفاء المطيعين بوجود الدَّرجات، وشفاء العارفين بالقُرْب والمناجاة (٥).


(١) ذكره الواحدي في "الوسيط" (٢/ ٥٥٠)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٤/ ٤٠).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٥٤).
(٣) في (ر): "الجهالة".
(٤) البيت مشهور ولا يعرف قائله، انظر: "العقد" لابن عبد ربه (٢/ ٢٢٦)، و"محاضرات الأدباء" للراغب الأصبهاني (١/ ٢٨)، و"أساس البلاغة" للزمخشري (مادة: طبب).
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٠٢)، وما بين معكوفتين منه.