للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: فيه إضمار؛ أي: اجعلوا بيوتكم قبلةً إلى الكعبة.

وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: إنَّ فرعون لَمَّا أتاه موسى عليه السلام بالرِّسالة أمرَ بمساجد بني إسرائيل فكُسِّرَتْ كلُّها، وكانت المساجدُ ظاهرةً، فأمرهما اللَّه تعالى أن يَجعلا لقومِهما مساجدَ في جوفِ البيوت، ولا يظهروها (١).

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}: أي: حافظوا عليها بشروطها.

{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}: أي: يا موسى، بشِّرْهم بقُرْبِ الخَلَاص.

وخصَّ به موسى لأنَّ هارون كان تابعًا له، وذلك أنَّ موسى صلوات اللَّه عليه كان يأمرُ فرعونَ بأنْ يُرْسِل معه بني إسرائيل، فيَخرجوا مِن مصر إلى الشَّام بوعد اللَّه تعالى أنْ يُوْرثهم إيَّاها ويجْعلَهم سكانَها، وكان فرعونُ يأبى عليه، وكان لذلك وقتٌ معلومٌ، فأمرَهما اللَّهُ تعالى أنْ يُقيْمَا بمصر مطمئنين متمكِّنين، لا يستعجلان، وأنْ يَأْمُرا بني إسرائيل بذلك، ويتَّخذوا مساجدَ في بيوتهم، ويصلُّوا فيها سِرًّا، منتظرين للفرج، وهكذا عادة المسلمين إذا حزبَهم أمرٌ فَزِعوا إلى الصَّلاة.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويَحتمِل هذا الأمرَ بالانفصال مِن فرعون وقومه باتِّخاذ البيوت لهم في طرفٍ مِن المصر، حتَّى إذا أرادوا الخروج من عندهم قدروا على ذلك، ولا يكون المرورُ عليهم، وكان ذلك الانفصال مِن جهة القِبلة (٢).

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: مَهَّدْنا لهم لعبادتنا مَحَالَّ وهي نفوسُهم، ولمعارفنا منازلَ وهي قلوبُهم، ولمحبَّتنا مواضعَ وهي أرواحُهم، ولمشاهدتنا معاهدَ


(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٤٤)، وروى نحوه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٢٥٥).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٧٨).