للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حالة اليأس، {وَقَدْ عَصَيْتَ} أمرَ اللَّهِ بالإيمان {قَبْلُ} هذه الحالة، {وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} في أرض مصرَ بالدُّعاء إلى عبادة غير اللَّه.

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: أي: أبعدَ طول الإمهال، والإصرارِ على ذميم الأفعال، والرَّكض في ميدان الاغترار، وفَوْت وقت الاعتذار، هيهات هيهات، لقد استوجبْتَ أنْ يُرَدَّ عذرُك في وجهِكَ، فلا لِعُذرِكَ قَبولٌ، ولا لك إلى ما تَرومُه وصولٌ (١).

وروى ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: لَمَّا قال فرعون: لا إلهَ إلَّا اللَّه، أتاهُ جبريلُ فحشا فاه بالتُّراب، خشيةَ أنْ تدرِكَه رحمةُ اللَّه تعالى (٢).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: لم يُقبَلْ إيمانُ فرعونَ في ذلك الوقت لوجهَيْنِ:

أحدهما: أنَّ إيمانَه عندَ خوفِ الهلاكِ إيمانُ دفعِ البأس، لا إيمانُ حقيقةٍ، وهو كإيمان الكفرة في الآخرة.

والثَّاني: أنَّ الإسلامَ تسليمُ النَّفس إلى اللَّه تعالى، فإذا آمنَ في وقتٍ خرجَتْ نفسُهُ مِن يدِه لم يَصِرْ مُسْلِمًا نفسَه إلى اللَّه تعالى؛ إذ ليسَ نفسُه في يدِه فيُسْلِمَها (٣).

وعن كعبِ الأحبار قال: أمسك فيضُ (٤) مصرَ عن الجري، فقالَتِ القبطُ لفرعونَ: إنْ كنْتَ ربًّا فأجرِ الماء، فركبَ وأمرَ جنودَه بالرُّكوبِ، وكان مناديه ينادي كلَّ ساعةٍ: ليقفْ فلانٌ بجنوده قائدًا لهم، فجعلوا يقفون على درجات، حتَّى بقي


(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١١٤).
(٢) روى نحوه الترمذي (٣١٠٧) وقال: حديث حسن، و (٣١٠٨) وقال: حسن صحيح من هذا الوجه.
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٨٠ - ٨١).
(٤) في (ف): "نيل".